صفحة جزء
ذكر جحود المودع الوديعة وأخذ المودع مال المودع مثلها

واختلفوا في الرجل يودع الرجل ألف درهم ، فيطلبها ربها ، فجحده المودع إياها ثم أودعه الجاحد ألفا مثلها .

فقالت طائفة : له أن يذهب بها مكان [ألفه] التي كانت له .

هذا قول الشافعي ، وبه قال أصحاب الرأي . وكذلك إن كان مكان ألف درهم حنطة ، أو شعير ، أو شيء مما يكال أو يوزن ، أو كان عليه دين فجحده ، فأودعه مثله ، له أن يأخذ حقه من تحت يده قصاصا بالذي كان له في قولهم جميعا .

واختلف قول الشافعي وأصحاب الرأي في هذا الباب : فقال أصحاب الرأي : إن كانت دراهم فاستودعه شعيرا . فقال أصحاب الرأي : إذا كانا مختلفين فلا يسعه أن يمسكه عنده ، لأن هذا بيع ، (فأما) إذا كان مثله فله قصاص .

وفي قول أصحاب الشافعي وغيره : له أن يبيع ما قدر عليه من ماله ، ويحلف بالله ما له قبله ما يدعي وهو صادق ولا ينبغي للحاكم أن يستحلفه [ ص: 337 ] ما أودعك كذا وكذا وإنما يستحلفه بالله ما له قبلك ما يدعي .

كان إياس بن معاوية يقول : استحلفه بالله ما له عنده كذا وكذا ، وهذا الصواب ، وذلك أنه قد يودعه فيتلف ما استودعه ، ويجوز أن يرده على المودع أو يدفعها إلى غيره بأمره فيكون قد برئ في كل حال من هذه الأحوال بأن دفع إلى الحاكم عمل الخصم على ما لا يجب ، فقد قيل يحلف على ما أحلفه عليه إذا ألجئ إلى ذلك ، وقيل غير ذلك .

وفي هذه المسألة قول ثالث : حكي عن مالك أنه قال : إذا قال أودعته ألف درهم ، فجحدني ذلك ، ثم استودعني بعد ذلك ألف درهم ، أو باعني بها بيعا فأردت أن أجحده (مكان) حقي الذي جحدني .

قال ابن القاسم : سئل (عنها مالك) غير مرة . فقال : لا يجحده .

قال ابن القاسم : ظننت أنه قاله للحديث الذي جاء : "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" .

قال أبو بكر : هذا حديث غير ثابت ، لأنه مرسل ولو كان ثابتا لم [ ص: 338 ] يكن لهذا القائم فيه حجة ، وذلك أن الخائن من أخذ ما ليس له ، لأنه حينئذ يأخذه ظلما وتعديا ، والذي أخذ مقدار (حق) ليس بخائن ولا ظالم . فإذا أخذ المودع مقدار حقه وزاد فأخذ بعد ذلك ما ليس له كان خائنا كما كان الآخذ ما ليس له خائنا . وحديث هند حجة قاطعة مبيحة ، لأن يأخذ المرء حقه على أي جهة أمكنه أخذه .

8617 - أخبرنا الربيع ، قال أخبرنا الشافعي ، قال : أخبرنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها حدثته ، أن (هند) أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح ، وإنه لا يعطيني وولدي ما يكفيني إلا ما آخذ منه سرا وهو لا يعلم ، فهل علي في ذلك شيء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" .

التالي السابق


الخدمات العلمية