صفحة جزء
ذكر تضمين العارية

أجمع أهل العلم - لا اختلاف بينهم - على أن [المستعير] لا يملك بالعارية الشيء المستعار ، وأجمعوا كذلك - لا اختلاف بينهم - أن له أن يستعمل الشيء المستعار فيما أذن له أن يستعمله فيه . وأجمعوا كذلك - لا اختلاف بينهم - أن المستعير إذا أتلف الشيء المستعار أن عليه ضمانه واختلفوا في وجوب الضمان عليه إن تلفت العارية من غير جنايته . فقالت طائفة : ليس عليه ضمانها .

(و) روينا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود أنهما قالا ليس : على مؤتمن ضمان ، وإسناد ذلك مذكور في كتاب الوديعة . [ ص: 354 ]

وممن كان لا يضمن المستعير : الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي .

وقال شريح : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، ولا على المستودع غير المغل ضمان .

وكتب عمر بن عبد العزيز في العارية : لا يضمن صاحبها ، إلا أن يطلع منه على جناية ، وممن كان لا يضمن العارية : سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه ، والنعمان وأصحابه . وسئل الأوزاعي عن العارية هل يضمنها أم لا ؟ فذكر عن عمر بن عبد العزيز ما ذكرناه عنه .

وقالت طائفة : العارية مضمونة ، كان ابن عباس يقول : العارية تغرم ، وكذلك قال أبو هريرة .

8626 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو [عن] ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قال : إن العارية تغرم . [ ص: 355 ]

8627 - ومن حديث ابن عبد الحكم ، عن ابن وهب قال : أخبرني سفيان بن عيينة ، عن عمرو [بن دينار ، عن عبد الرحمن بن السائب ، عن أبي هريرة ، قال : وحدثني سفيان بن عيينة عن عمرو] بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : أنهما قالا : إن العارية تغرم . وبه قال عطاء والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، واحتج الشافعي وأحمد بحديث صفوان .

وذكر أحمد : على اليد ما أخذت .

وفيه قول ثالث : وهو أن العارية إذا كانت مما يظهر تلفها مثل الرقيق والحيوان والدور وما أشبه ذلك فلا ضمان على المستعير ، إلا أن يتعدى ، وما كان من ثياب أو حلي أو عروض ، فالمستعير ضامن إلا أن يصيبه أمر من قبل الله يعذر به [و] تقوم عليه بينة ، فإذا كان كذلك فلا ضمان عليه في شيء من ذلك ، إلا أن يكون ضيع أو فرط . هذا كله قول مالك ، وحكاية ابن القاسم ، وابن نافع عنه ، يزيد كل واحد منهما على صاحبه في اللفظ ، وحكى أشهب عن مالك أنه سئل عن رجل يستعير دابة على أنه لها [ ص: 356 ] ضامن ، قال : ما أرى عليه ضمانا .

وفيه قول رابع : وهو أن المعير إن شرط الضمان في العارية فهي مضمونة ، وإن لم يشترط فليس بشيء . هذا قول قتادة .

وحكي عن عبيد الله بن الحسن أنه قال : إذا اشترط في العارية الضمان فهو ضامن .

وقال أبو الزناد : عليه ضمان كل شيء استعاره من حيوان أو غيره حتى يؤدي إلا موت أو مرض يقع من السماء لم يكن هو سببا لشيء منه ، يونس عنه ، قال يونس : وسألت ربيعة عن العارية . فقال : هي مضمونة إلا من موت لا يملك ، وقد حكي عن عثمان (البتي) أنه قال في العارية : هو ضامن [لكل] شيء استعاره إلا الحيوان [فإن] اشترط في الحيوان ضمان فهو ضامن .

قال أبو بكر : أما حجة الشافعي وأحمد في تضمينهما العارية فحديث صفوان .

8628 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا شريك ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أمية بن صفوان بن أمية ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه ثلاثين درعا . فقال : يا محمد أمضمونة ؟ قال : "مضمونة" . فضاع منها درع . فقال له [ ص: 357 ] النبي صلى الله عليه وسلم : "إن شئت غرمناها لك" . قال : أنا أرغب في الإسلام من ذلك .

8629 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا يحيى الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن [ ابن] أبي مليكة ، عن أمية بن صفوان بن أمية ، عن أبيه فذكر الحديث .

قال [لي] موسى : لا نعلم أحدا وافق شريكا في هذا الإسناد .

8630 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أناس من آل عبد الله بن صفوان قال : أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو حنينا . . . [ ص: 358 ]

قال أبو بكر : فهذا خبر قد اختلف أهل العلم في ثبوته ، فقال بعضهم : لا نعلم لعبد العزيز بن رفيع سماعا من أمية بن صفوان ، وقد خالف جرير شريكا في الإسناد . فقال : عن عبد العزيز ، عن أناس من آل عبد الله بن صفوان ، وغير جائز أن يحتج بخبر هذا سبيله ، مع أن ألفاظ الأخبار مختلف فيها . في بعضها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مضمونة وفي بعضها أنه قال : "إن شئت غرمناها لك" قال : ولو كان الضمان لازما لم يقل : إن شئت غرمتها لك وأما قوله : "العارية مؤداة" فغير مدفوع ، لأنها مؤداة عند الجميع ما كانت باقية ، فإذا تلفت فلا سبيل إلى أدائها وإذا لم يكن إلى أدائها سبيل فغير جائز تضمينها بغير حجة .

وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "العارية مؤداة" .

8631 - حدثنا محمد بن علي ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسماعيل بن عياش ، عن شرحبيل بن مسلم ، عن أبي أمامة أنه [ ص: 359 ] قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع يقول : "العارية مؤداة ، والمنحة مردودة ، والزعيم غارم" .

وهذا خبر يجب القول به : العارية مؤداة . فلا يوجد السبيل إلى أدائها إلا وهي موجودة ، فإذا تلفت فلا سبيل إلى أدائها ، ولا حجة مع من ألزم ذلك المستعير قيمتها إذا تلفت من غير جنايته من كتاب أو سنة أو إجماع ، (وأما) ما روي عنه من قوله : "على اليد ما أخذت حتى تؤدي" .

8632 - فإن إبراهيم بن عبد الله حدثنا ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "على اليد ما أخذت حتى تؤدي" .

قال أبو بكر : وهذا حديث قد تكلم في إسناده ودفع بعضهم أن يصح سماع الحسن من سمرة ، وظاهره لو ثبت يوجب أن تؤدي إليه [ ص: 360 ] ما أخذت ، وإذا تلفت بغير جناية من المستعير لم يجز إلزام المستعير قيمتها بغير حجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية