صفحة جزء
ذكر ما يفعل باللقطة اليسيرة

اختلف أهل العلم في اللقطة اليسيرة يجدها المرء .

فرخصت طائفة فيها ، إذا كانت يسيرة أن ينتفع بها ، ويدع تعريفها .

روينا عن عمر بن الخطاب أنه مر بجراب من سويق توطأه الإبل فأخذه فرفعه فلم يجد أحدا يعرفه ، فدعا بقدح فشرب وجعل يخرج للقوم ويسقيهم حتى شربوا ، ثم قال : هذا خير من أن توطأه الإبل .

وقال جابر بن عبد الله : كانوا يرخصون في السوط ، والحبل ، ونحوه ، إذا وجده الرجل ولم يعرف صاحبه أن ينتفع به .

وروينا أن ابن عمر مر بتمرة في الطريق فأكلها ، وروي عن علي أنه التقط حبة - أو حب - رمان من الأرض فأكلها .

وروينا عن عائشة أنها قالت في اللقطة : لا بأس بما دون الدرهم أن يستمتع به .

8639 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا شبابة ، قال : [ ص: 379 ] حدثنا المغيرة بن مسلم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : بينما عمر في طريق بمكة إذ مر بجراب من سويق توطأه الإبل فأخذه فرفعه بيده وقال : لمن هذا ؟ فلم يجد أحدا يعرفه . قال : فدعا بقدح فجعل فيه من ذلك السويق وشرب ، ثم جعل يخرج إلى القوم ويسقيهم حتى شربوا ما في الجراب أجمع . ثم قال : هذا خير من أن توطأه الإبل .

8640 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا المغيرة بن مسلم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أنهم كانوا يرخصون في السوط ، والحبل ونحوه إذا وجده الرجل ولم يعرف صاحبه أن ينتفع به .

8641 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور ، عن طلحة بن مصرف ، أن ابن عمر مر بتمرة في الطريق فأكلها . [ ص: 380 ]

8642 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن مالك بن مغول ، سمعت امرأة تقول رأيت عليا التقط - حبا أو حبة - من رمان من الأرض فأكلها .

8643 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا جرير ، قال : سمعت عطاء يذكر أن عليا وفاطمة لبثوا ثلاثة لا يقدرون - يعني يطعمون - فخرج علي ، فوجد دينارا ، فقام يلاوم نفسه في أخذه فحمله ما به من الجهد على أن يأخذه ، فأتى به فاطمة ، فاشترت به - أو قال : فاشترى به - دقيقا ، وإن جبهتهما لتصيب الجفنة من الجهد . قال : فدعوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبر الدينار فأمرهم أن يأكلوا . وقال : "إنما هو رزق ساقه الله إليكم" .

8644 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد بن يونس ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا جابر [عن] عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت في اللقطة : لا بأس بما دون الدرهم أن يستمتع به قال زهير : وفسره جابر : السوط وغيره . [ ص: 381 ]

8645 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع ، عن طلحة بن يحيى ، عن عبد الله بن فروخ مولى أم سلمة قال : سأل رجل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يجد السوط ؟ فقالت : لا بأس به يصل به المسلم يده . قال : والحذاء ؟ قالت : والحذاء . قال : والوعاء ؟ قالت : لا أحل لك ما حرم الله عليك إن الوعاء تكون فيه النفقة .

وكان عطاء وطاوس وجابر بن زيد والنخعي يرخصون في السوط ونحوه ، يأخذه وينتفع به . وكان يحيى بن أبي كثير يقول في لقطة النعلين والسوط والطعام : يستمتع به ويعرف . وقال الحسن بن صالح : يتربص السنة بالعشرة (دراهم) فما قوقها . وما دون العشرة يعرفها ثلاثة أيام ثم يتصدق بها إن شاء . وقال ابن جريج : قال عطاء : إذا كان شيئا يسيرا عرفه أياما قد سمعته يسمي خمسة دراهم .

وروينا عن أبي [بشر ] أنه رخص في اللقطة نحوا من خمسة دراهم .

قال أحمد بن حنبل : يعرفه سنة . [ ص: 382 ]

وقال إسحاق : ما كان دون الدينار عرفه جمعة أو نحوها .

وأوجبت طائفة تعريف قليل اللقطة وكثيرها . هذا قول مالك والشافعي .

وقال أحمد : يعرف كل شيء إلا ما لا قيمة له ، وكذلك قال إسحاق .

قال أبو بكر : وهذا اختلاف من قول إسحاق .

وروينا عن أبي هريرة أنه قال في اللقطة : الحبل والزمام ونحو هذا ، (يعرفه) فإن وجدت صاحبه رددته عليه وإلا استمتعت به .

8646 - حدثنا موسى ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عقبة بن عبيد الله ، قال : حدثني ميسرة [بن] عميرة ، أنه لقي أبا هريرة ، فقال : ما تقول في اللقطة ؟ (فقال) : وما اللقطة ؟ قال : الحبل والزمام ونحو هذا . قال : تعرفه ، فإن وجدت صاحبه رددته عليه وإلا استمتعت به .

وكان مالك يقول : من وجد لقطة دينارا أو درهما ، أو أقل من [ ص: 383 ] ذلك ، فليعرفه سنة إلا أن يكون الشيء اليسير مثل (الفرق) أو الفلس أو الجوزة أو نحو ذلك ، فإنه يتصدق به من يومه ، ولا أرى أن يأكله . وقال مالك في الرجل يجد النعلين أو السوط أو أشباه ذلك يأخذه فيعرفه ، فإن لم يجد [له] صاحبا فليتصدق به عنه . فإن جاء صاحبه غرمه ، ولا أرى بأسا أن يتسلفه فيأكله إن كان محتاجا ، وينتفع بالنعلين والسوط المحتاج إليه ، وإن تصدق الغني بقيمته ، فلا أرى بأسا أن ينتفع به .

وقال مالك : في الرجل يجد الطعام بطريق مكة أو الإداوة ونحو ذلك كله : لا يأخذه أحب إلي إلا أن يكون أحدا يضطر إليه .

قال أبو بكر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في اللقطة : "اعرف عفاصها" ولم يخص لقطة دون لقطة . فالذي يجب على من التقط لقطة قلت أو كثرت أن يعرفها سنة على ظاهر خبر زيد بن خالد .

8647 - حدثنا علان بن المغيرة ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد الجهني ، أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة . فقال : "عرفها سنة ، ثم اعرف عفاصها ، ووكاءها ، واستنفق ، ثم إن جاء طالبها فادفعها إليه ، وإلا فشأنك بها" . [ ص: 384 ]

قال أبو بكر : فقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي جوابا عاما يقع على كل لقطة قلت أو كثرت . وليس [لأحد] يستثني من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخبر مثله . ولا نعلم خبرا يوجب أن يستثني به من جملة هذا الخبر إلا خبر أنس - هذا الذي أنا ذاكره إن شاء الله .

8648 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن طلحة ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى تمرة فقال : "لولا أن تكون صدقة لأكلتها" .

قال أبو بكر : فالتمرة مستثناة من جملة ما أمر الملتقط بتعريفه وما له بقاء مما زاد على التمرة ، وما له قيمة ، يجب تعريفه على ظاهر خبر زيد بن خالد ، والله أعلم . واختلفوا في الرجل يلتقط ما لا يبقى إلى مدة التعريف .

فكان مالك يقول في الرجل يلتقط ما لا يبقى في أيدي الناس من الطعام : يتصدق به ، أعجب إلي ، ابن القاسم عنه . قيل لابن القاسم : فإن أكله أو تصدق به فأتى صاحبه ؟ قال : لا يضمنه في قياس قول مالك على الشاة يجدها في فيافي الأرض . [ ص: 385 ]

وفي قول أصحاب الرأي ، (أن الملتقط) ما لا يبقى إذا أتى عليها يومان أو يوم [فسد] قال : فيعرفها ، إذا خاف عليها أن تفسد تصدق بها .

وقال الثوري : ما كان يخشى فساده مثل اللحم والخبز والتمر فبعه ، وتصدق به .

وكان الشافعي يقول : إذا كانت اللقطة طعاما رطبا لا يبقى فله أن يأكله إذا خاف فساده ، ويغرمه لربه .

وحكى المزني أن فيما وجد بخطه : فإذا خاف فساده أحببت أن يبيعه ويقيم على تعريفه . قال المزني : وهذا أولى القولين به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للملتقط شأنك به إلا بعد سنة إلا أن يكون في موضع مهلكة كالشاة يأكلها ويعرفها إذا جاء صاحبها .

التالي السابق


الخدمات العلمية