صفحة جزء
ذكر مقاطعة المكاتب

واختلفوا في الرجل يكاتب عبده كتابة على ما يجوز أن يكاتبه عليه ثم يقاطعه من ذلك على شيء معلوم .

فأجازت طائفة ذلك ، وممن لم ير به بأسا عبد الله بن يزيد بن هرمز ، وقال القاسم بن محمد : أدركت الناس وما يرون بمقاطعة المكاتب بأسا .

وكان الزهري يقول : ما علمنا به بأسا ، وما علمنا أحدا كرهه إلا ابن عمر . وكان النخعي لا يرى به بأسا إذا كاتبه ثم قاطعه بعد ذلك على الذهب والفضة .

وروينا عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا بمقاطعة المكاتب بالذهب والفضة . محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن ابن وهب ، عن عمر بن قيس المكي ، عن عطاء بن أبي رباح عنه .

وقال أبو الزناد : كان الناس يفعلون ذلك حتى كان خلافة عمر بن عبد العزيز فبلغه أن ابن عمر كان يكره ذلك بالذهب والورق ، قلت : (نهى) عن ذلك . فلما توفي [ ابن] عمر اجتمع أمر الناس أنه [ ص: 508 ] لا بأس به . وقال ربيعة : ما زال أمر الناس على أن يجيزوا مقاطعة المكاتب (مما) قاطع عليه من عرض أو ذهب أو ورق . وقال مالك : الأمر عندنا في الرجل يكاتب عبده ثم يقاطعه بالذهب فيضع عنه مما عليه من الكتابة على أن يعجل له ما قاطعه عليه ، أنه ليس به بأس ابن وهب عنه . وحكى ابن القاسم عنه أنه سئل عن المكاتب يقاطعه سيده بعرض مما عليه ويؤخره بما قاطعه عليه ويعجل له العتق ويؤخره ؟ قال : لا بأس بذلك . قال : وقال مالك فيمن قاطع عبدا له إلى أجل : فإن جاء به إلى الأجل وما أشبهه فذلك له ، وإلا فلا شيء له ، قال : أرى أن يؤخر العبد شهرا أو نحوه كما يؤخر الغريم ، فإن جاء به وإلا فلا قطاعة له . وقال النعمان وأصحابه : إذا كاتب الرجل عبده على دراهم إلى أجل مسمى [نجوما] فيعجل له المكاتب بعض الكتابة على أن يحط ما بقي قبل الأجل فلا بأس به ولا يشبه هذا البيوع ، لأن هذا عبده ومكاتبه قالوا : ولو اشترى الرجل من مكاتبه درهما بدرهمين أفسدنا ذلك ، نأخذ في هذا بالثقة .

وفيه قول ثان :

8725 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، [ ص: 509 ] عن سالم قال : كان ابن عمر ينهى أن يقاطع المكاتبون إلا بالعروض .

قال الزهري : وكتب بذلك عمر بن عبد العزيز .

8726 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : إذا قاطع المكاتب فلا يؤخذ إلا عرض لا يؤخذ منه ذهب ولا ورق .

وكان الليث بن سعد يقول : لا أرى أن يقاطع المكاتب إلا بعرض يراه ، كمن تعجل بعض دينه ووضع منه قبل محله .

وقيل لأحمد بن حنبل : ابن عمر نهى أن يقاطع المكاتب إلا بالعرض .

قال : هو مثل قوله أن يعجل له و (يوضع) عنه . قال إسحاق : سواء ، ولكن إذا قاطعه المكاتب بعرض قيمته أقل مما عليه جاز ذلك . قال : وقلت - يعني لأحمد - : يضع عن المكاتب ويعجل له ؟ قال : ما أعلم به بأسا هو ملكه بعد . قال إسحاق : لا يقاطعه أبدا إلا بعرض .

وفيه قول ثالث قاله الشافعي قال : وإذا كاتب الرجل عبده على شيء معلوم يجوز له ، فإن أتاه به قبل أن تحل نجومه فعرض عليه أن يأخذ منه شيئا غيره أو يضع عنه منه شيئا ويعجله العتق لم يحل له ، وإن كانت نجومه غير حالة فسأله أن يعطيه بعضها حالا على أن يبرئه من [ ص: 510 ] الباقي فيعتق لم يجز ذلك ، كما لا يجوز في دين (الرجل) على حر أن يتعجل بعضه منه على أن يضع له بعضا . قال الشافعي : فإن فعل هذا في المكاتب رد على المكاتب ما أخذ منه ولم يعتق المكاتب ، لأنه أبرأه مما لا يجوز له أن يبرئه منه ، وإن فعل هذا على أن يحدث للمكاتب عتقا وأحدثه له ، فالمكاتب حر ويرجع عليه سيده بالقيمة ، لأنه أعتقه ببيع فاسد كما قلت في أصل الكتابة الفاسدة ، ولا يكون للسيد على المكاتب من الكتابة شيء ، لأنها بطلت بالعتق ويكون له عليه القيمة كما وصفت ، فإن أراد أن يصح هذا لهما فليرض للمكاتب بالعجز ويرضى السيد منه بشيء (ما) يأخذه منه على أن يعتقه ، فإذا فعل فالكتابة باطل ، والعتق على ما أخذ منه جائز لا يتراجعان فيه بشيء . وكره الحسن البصري في الرجل يكاتب عبده ثم يقاطعه بعد ذلك على الذهب والفضة .

التالي السابق


الخدمات العلمية