صفحة جزء
ذكر القصاص من العمال والأمراء

ثابت عن عمر بن الخطاب أنه كان يقيد من نفسه . وروي عن عمرو بن العاص أنه قال لعمر : يا أمير المؤمنين أتقيد من عمالك ؟ قال : نعم . قال : إذا لا نعمل لك . قال : وإن لم تعملوا . وقال أبو بكر الصديق لرجل شكا أن عاملا له قطع يده فقال لإن كنت صادقا لأقيدنك منه .

9345 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن المغيرة بن سليمان أن عاملا لعمر ضرب رجلا فأقاده عمر منه ، فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين ، أتقيد من عمالك ؟ قال : نعم ، قال إذا لا نعمل لك . قال : وإن لم تعملوا . قال : أو ترضيه ؟! قال : أو أرضيه . [ ص: 92 ]

9346 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن حبيب بن صهبان ، قال : سمعت عمر يقول : ظهور المسلمين حمى ، لا تحل لأحد إلا أن [يخرجها حد ] قال : ولقد رأيت بياض إبطه ، قائما يقيد من نفسه .

9347 - حدثنا محمد بن عبد الله بن مهل ، قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان رجل أسود يأتي أبا بكر فيدنيه ويقرئه القرآن ، إلى أن بعث سرية أو ساعيا ، فقال لأبي بكر : أرسلني معه . فقال أبو بكر : بل عندي . قال : بل أرسلني معه ، فأرسله معه ، فما غبر عليه إلا يسيرا حتى جاء قد قطعت يده ، فلما رآه أبو بكر فاضت عيناه وقال : ما شأنك ويحك ؟ قال : ما زدت على أن كان يوليني الشيء من عمله ، فخنته فريضة فقطع يدي . فقال أبو بكر : والله لئن كنت صادقا لأقيدنك منه . قال : ثم أدناه ولم يحول منزلته ، فما غبر عنهم إلا يسيرا ، حتى سرق حلي لآل أبي بكر ، فلما أصبح أبو بكر قال : طرق الحي الليلة . قال : فجاء المقطوع فرفع يده الصحيحة واليد التي قطعت فقال : اللهم أظهر على من سرق أهل البيت الصالحين - أو نحو ذلك - قال : فما انتصف النهار حتى وجد المتاع في بيته . فقال له أبو بكر : إنك لقليل العلم بالله ، ثم أمر به فقطعت رجله . قال : وأخبرني أيوب ، عن نافع ، عن ابن [عمر ] : [ ص: 93 ] أن أبا بكر كان إذا سمع صوته من الليل قال : ما ليلك بليل سارق . قال : فلما وجد المتاع عنده قطع رجله . وكان يعلى بن أمية قطع يده .

قال الزهري : ولم يبلغنا في السنة إلا قطع يد ورجل لا يزاد على ذلك . وممن قال بأن على العمال القود : الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

قال أبو بكر : ليس بين العمال والعامة فرق فيما يجب لبعضهم على بعض من القصاص ، يدل على ذلك الكتاب والسنة ، فأما الكتاب فقوله عز وجل ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) الآية ، وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم " . وقوله "من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين ، إن أحبوا العقل ، وإن أحبوا القود " . وقد روينا في هذا الباب بعينه حديثا ثابتا .

9348 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم مصدقا (فلاجه) رجل في صدقته ، فضربه أبو جهم فشجه ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : القود يا رسول [ ص: 94 ] الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لكم كذا وكذا" فلم يرضوا . فقال : "لكم كذا وكذا " ، فلم يرضوا . فقال : "لكم كذا وكذا" فرضوا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم " . فقالوا : نعم ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "إن هؤلاء [الليثيين ] أتوني يريدون القود ، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا ، أرضيتم ؟ " قالوا : لا ، فهم المهاجرون بهم ، فأمرهم النبي أن يكفوا فكفوا ، ثم دعاهم فزادهم وقال : "أرضيتم ؟ " قالوا : نعم . قال : "وإني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم " ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : "أرضيتم ؟ " قالوا : نعم .

قال أبو بكر : وفي هذا الحديث دليل على إباحة إرضاء المشجوج بأكثر من دية الشجة إذا طلب المشجوج القصاص ، وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه ، لأنهم لما رضوا بما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا عنه لم يلزمهم رضاهم الأول حتى أظهروا ذلك في المرة الثانية .

التالي السابق


الخدمات العلمية