صفحة جزء
كتاب الديات

باب ذكر مبلغ دية الحر المسلم من الإبل

قال الله ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ) .

ودلت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الدية مائة من الإبل .

9393 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي حدرد الأسلمي ، عن أبيه ، قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلى بطن إضم ، وفي تلك السرية أبو قتادة الأنصاري ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، وأنا فيهم ، فبينا نحن ببعضه إذ مر بنا عامر بن الأضبط - أو الأنباط - الأشجعي فسلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه ، فحمل عليه محلم بن جثامة فقتله ، وسلبه بعيرا له ، ومتيعا له ، ووطبا من لبن كان معه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فينا القرآن ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) [ ص: 140 ] إلى قوله : ( بما تعملون خبيرا ) . [ ص: 141 ]

[ ص: 142 ] .

9394 - وقال محمد بن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبي وجدي - وكانا قد شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - [قالا ] : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [الظهر ] ، ثم جلس إلى ظل شجرة ، فقام إليه الأقرع بن حابس ، وعيينة بن بدر يطلب بدم الأشجعي - وهو يومئذ سيد قيس - وابن حابس يدفع عن محلم بن جثامة قال : فاختصما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالا : فسمعنا رسول الله يقول : "تأخذون الدية خمسين في سفرنا وخمسين إذا رجعنا " . قال : يقول عيينة بن بدر : والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرارة ما أذاق نسائي . قال : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بل تأخذون الدية " . قال : فلم يزل بهم حتى قبلوها ، فلما قبلوها قالوا : أين صاحبكم يستغفر له رسول الله ؟ قال : فقام رجل آدم طوال عليه حلة له قد تهيأ فيها للقتل ، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله : "ما اسمك ؟ " قال : أنا محلم بن جثامة . قال : فقال رسول الله : "اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة " . قال : فقام من بين يدي رسول الله وهو يتلقى دمعه ببعض ردائه . [ ص: 143 ]

قال أبو بكر : في هذا الحديث دليل على أن الدية مائة من الإبل ، وعلى إيجاب القود على القاتل عمدا ، إن لم يعف عنه الولي ، وعلى أن الدية في قتل العمد حالة .

9395 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحكم بن موسى ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، عن سليمان بن داود ، قال : حدثني الزهري ، عن أبي بكر بن محمد [بن ] عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها ، وكان في كتابه : وأن في النفس مائة من الإبل . [ ص: 144 ]

وفي حديث عبد الله بن عمرو ، وقد ذكرته بإسناده في باب شبه العمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو العصا مئة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) .

وأجمع أهل العلم على أن على أهل الإبل مئة من الإبل .

وأجمعوا على أن ديات الرجال الأحرار سواء أعجمهم وعربيهم غنيهم وفقيرهم ، لا فرق بينهم في الديات .

واختلفوا فيما يجب على غير أهل الإبل ، فقالت طائفة : على أهل الذهب الذهب ، وعلى أهل الفضة الفضة . [ ص: 145 ]

فممن روي عنه أنه قال : على أهل الذهب ألف دينار : عمر بن الخطاب وعروة بن الزبير وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي .

9396 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ، أن عمر بن الخطاب جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف .

وقال قتادة ، ومالك ، وأهل المدينة : على أهل الذهب ألف دينار .

وقالت طائفة : دية الحر المسلم مائة من الإبل لا دية غيرها ، كما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قال الشافعي .

وقال عطاء : كانت الدية الإبل ، حتى كان عمر بن الخطاب فجعلها لما غلت الإبل عشرين ومائة (كل) بعير .

وكان طاوس يقول : على الناس أجمعين أهل القرية وأهل البادية مائة من الإبل ، فمن لم يكن عنده إبل ، فعلى أهل الورق [ ص: 146 ] الورق ، وعلى أهل البقر البقر ، وعلى أهل الغنم الغنم ، وعلى أهل البز البز . قال : يعطون من أي صنف كان بقيمة الإبل ما كانت إن ارتفعت أو انخفضت فقيمتها يومئذ .

وقد حكي عن الأوزاعي أنه قال : دية النفس مائة من الإبل كاملة .

قال أبو بكر : جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه جعل الدية مائة من الإبل ، ولا نعلم خبرا ثابتا عنه أنه فرض الدية من غير الإبل ، فالذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب القول به ، والوقوف عن استعمال ما سوى ذلك ، إلا على معنى القيمة التي جعلها عمر بن الخطاب ، فإن أعوزوا الإبل كانت القيمة حينئذ ، فأما والإبل موجودة فغير جائز والله أعلم .

قال أبو بكر : لم يختلف الذين ألزموا أهل الذهب الذهب أن الدية من الذهب ألف دينار ، واختلفوا فيما على أهل الفضة : فقالت فرقة : على أهل الورق عشرة آلاف درهم . كذلك قال سفيان الثوري والنعمان وصاحباه ، وبه قال أبو ثور . وحكي ذلك عن ابن شبرمة وعبيد الله بن الحسن .

وقالت طائفة : على أهل الورق اثني عشر ألفا .

هكذا قال الحسن البصري ، وعروة بن الزبير ، ومالك بن أنس ، [ ص: 147 ] وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

واختلف الإخبار عن عمر في هذا الباب ، فذكر الشعبي أن عمر جعل الدية على أهل الورق عشرة آلاف . وقد احتج بعض من رأى أن الدية من الورق اثنا عشر ألفا :

9397 - بحديث محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثنا عشر ألفا . وذلك قوله : ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) .

حدثناه إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن سنان العوفي ، عن محمد بن مسلم .

قال أبو بكر : والصحيح عندهم عمرو ، عن عكرمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم . . [ ص: 148 ]

حدثناه إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة . ليس فيه ابن عباس .

قال أبو بكر : وبلغني أن حديث ابن عيينة رواه محمد بن ميمون المكي ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وهذا وهم عندهم ، فلو ثبت لقلنا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية