صفحة جزء
(باب ذكر) ما يحدثه الغاصب في الشيء المغصوب (مما ليس) بعين قائمة فيه

قال أبو بكر: واختلفوا في الرجل يغصب الصفر فيضرب منه كوزا أو آنية، أو يغصب حديدا فيجعل منه دروعا أو غير ذلك .

ففي قول الشافعي وأبي ثور: ذلك كله لصاحب الصفر والحديد، ويرجع عليه بنقصان إن كان، وبه نقول. وهكذا في قولهما في النقر يغتصبها الرجل (فيضرب دنانير [أو دراهم] فذلك كله للمغصوب [ ص: 76 ] منه، وليس للغاصب في زيادة عمله شيء وإن دخل) ذلك نقصانا فعلى الغاصب ما نقصه .

وقال الشافعي: أصل ما يحدث الغاصب فيما اغتصب شيئان: أحدهما [عين] موجودة تميز، و[عين] موجودة لا تميز، والثاني: أثر لا [عين] موجودة، فأما الأثر الذي ليس بعين موجودة، فمثل ما (وصفنا) (من) الماشية يغصبها صغارا، والرقيق [يغصبهم] صغارا أو بهم مرض فيداويهم ويعلم نفقته عليهم، حتى يأتي صاحبهم (فإن ماله في) أثر عليهم لا عين، وكذلك الطين يغصبه (فيبله) بالماء ثم يضربه لبنا .

قال أبو بكر: في معنى ذلك الثوب يغصبه فيقصره. قال الشافعي: والعين الموجودة التي لا تتميز: الثوب يغصب قيمته عشرة دراهم فيصبغه بزعفران قيمته خمسة دراهم، وقد ذكر قوله في ذلك فيما [مضى] . [ ص: 77 ]

وفرق أصحاب الرأي بين الفضة والذهب دراهم أو دنانير، وبين النحاس والحديد يتخذ من أحدهما قدورا وكيزانا فقالوا في الحديد: (هو) ضامن (لحديد) مثله فإن لم يقدر على حديد مثله ضمن قيمته، وكذلك الصفر يجعله كوزا. وقال في الفضة يضربها دراهم (أو) الذهب يضربه دنانير: أن رب الفضة (والذهب) يأخذ الدنانير والدراهم، ولا أجر للغاصب فيه .

قال أبو بكر: ولو جهد بعض من (يقلدهم) فيما وضعوه في كتبهم أن يفرق بين عين الحديد والصفر والذهب والفضة ما [قدر] عليه، ولا لهم في الفرق بينهما حجة تلزم إلا قولهم واستحسانهم، فلو أن معارضا عارضهم فيجعل الصفر المضروب والحديد المعمول لرب (الصفر والحديد. وقال: لا شيء للغاصب في العمل، وجعل على الذي ضرب الدراهم والدنانير مثل ذلك من) الذهب والفضة، ما كان (بينه) وبين القوم فرق . [ ص: 78 ]

وقال يعقوب ومحمد لما رأوا أن لا فرق بين ما فرق صاحبهم من ذلك: يعطى [فضة] مثل فضته وذهبا مثل ذهبه، ولا يعطى الدراهم ولا الدنانير، فكانا أجود لمقالتهما وأبلغ في باب الخطأ من صاحبهما .

وقيل لابن القاسم: أرأيت إن غصبت من رجل حديدا أو نحاسا فصنعت منه قدورا أو سيوفا أيكون للمغصوب أن يأخذ ذلك أم لا؟ قال: لا أرى له إلا وزنا مثل نحاسه أو حديده قياسا على قول مالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية