صفحة جزء
باب ذكر استهلاك ما يحرم ثمنه

قال أبو بكر: واختلفوا في الكلب يقتله الرجل من الكلاب المأذون في الانتفاع بها وفي أثمان الكلاب .

فقالت طائفة: ليس على من قتل كلبا من الغرم شيء. هذا قول الشافعي، وكان الأوزاعي يقول: الكلب لا يباع في مقاسم المسلمين. وبمثل قول الشافعي قال أحمد بن حنبل .

9692 - أخبرنا أبو بكر، قال: حدثنا يحيى بن محمد ، قال: نا مسدد قال: نا يحيى (عن) عبد الملك، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: كان يكره مهر البغي وثمن الكلب وقال: "هو من السحت" .

[قال أبو بكر: ] وكره ذلك الحسن البصري والحكم وحماد .

وفيه قول ثان: وهو أن إباحة بيع الكلاب. هذا قول النعمان .

وفيه قول ثالث: وهو الرخصة في ثمن كلب الصيد من [بين] [ ص: 88 ] الكلاب، روينا هذا القول عن جابر بن عبد الله، وبه قال النخعي، ورخص عطاء في ثمن كلب الصيد .

9693 - أبنا أبو بكر، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا حماد، (عن) أبي الزبير، عن جابر أنه نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد .

وقد روينا عن عطاء قولا رابعا: أنه قال: إن قتلت كلبا ليس بعقور فاغرم لأهله ثمنه. وفيه قول خامس: وهو كراهية أثمان الكلاب، وتغريم من قتل كلب صيد أو كلب ماشية قيمته. هذا قول مالك .

قال أبو بكر: لا قيمة لشيء أذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله ونهى عن ثمنه في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب حرام" .

9694 - حدثنا أبو بكر قال: وحدثنا الصائغ محمد بن إسماعيل، [ ص: 89 ] قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا إسرائيل، عن عبد الكريم [الجزري] عن قيس بن [حبتر] عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وكان عبيد الله بن الحسن يقول في دية الكلب: كلب الغنم شاة، وفي دية كلب الحرس أو الحارس قفيز من تراب، أو جريب من تراب حقا على القاتل أن يعطيه وعلى صاحب الكلب أن يقبله، وفي دية كلب الصيد أربعون درهما .

9695 - قال أبو بكر: وأحسب (عبيد الله بن الحسن) بلغه حديث حدثناه إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني الحارث أن رجلا من هذيل أنه أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: في كلب الصيد إذا قتل: أربعون درهما، وفي الكلب الذي يمنع الزرع أو الدار إن قتل شاة، وفي الكلب الذي ينبح فلا يمنع زرعا ولا دارا إن طلبه صاحبه فرق من تراب والله إنا لنجد (هذا) في كتاب الله .

9696 - وأخبرنا أبو بكر قال: وحدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، [ ص: 90 ] عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو . وقال مرة: ابن عمر قال: في الكلب الصائد أربعون درهما .

9697 - أخبرنا أبو بكر قال: وحدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن يعلى بن عطاء، عن إسماعيل بن [جستاس] قال: كنت (عند) عبد الله بن (عمرو) فسأله رجل عن عقل كلب الصيد قال: أربعون درهما (قال: فما عقل كلب الغنم؟ قال: شاة) قال: فما عقل كلب الزرع؟ قال: فرق من الزرع، قال: فما عقل كلب الدار؟ قال: فرق من تراب، حق على القاتل أن يؤديه، وحق على صاحبه أن يقبله وهو ينقص من الأجرة" .

وقال هشيم عن يعلى بن عطاء، عن إسماعيل بن جساس .

(قال أبو بكر: إسماعيل بن جستاس) هذا مجهول وليس يعرف له سماع من عبد الله بن عمرو .

والكلاب تختلف وتختلف منافعها، وغير جائز أن يكون لها حكم خلاف أحكام الأنعام والرقيق وسائر الدواب والسلع، فإذا كانت [ ص: 91 ] الأشياء المتلفة مما ذكرناه تختلف قيمتها، فيكون شيء منه قيمته ألف وشيء قيمته مائة، فكيف يجوز [أن تختلف] قيم الأشياء المباحة بيعها وشراؤها؟ وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعها بالأسانيد الجياد يستوي ما يجب فيها من الغرم على تباين الكلاب وتباين منافعها، ثم ذكر أنه جعل في كلب الغنم شاة، والشاة تكون بين قيمتها وقيمة شاة أخرى الضعف وأكثر، وإذا لم يثبت الإسناد وثبت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أثمان الكلاب كلها بطل أن يكون لشيء [منها قيمة وقوله: قفيز من تراب أو جريب من تراب كلام لا أقف عليه وفساد الخبر ووهاء إسناده] يغني عن ذلك كله، وذكر ابن أبي أويس عن مالك كلاما عجيبا [قال] قال مالك: في كلب الصيد أو كلب الماشية يقتل: أن على الذي يقتله ثمنه، فقيل له: كيف يغرم ثمنه وأنت لا ترى أن [يشترى]؟ قال مالك: أرأيت الخمر يشتريها المسلم؟ فقيل له: لا، قال: فإن المسلم إذا كسرها وهي للنصارى غرم ثمنها .

قال أبو بكر: شبه ذلك بالخمر التي لا يشربها المسلم، فقياس هذا أن لا يكون على من قتل كلبا لمسلم شيئا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وبيع الخمر فإذا شبه أحدهما بالآخر وجب أن لا يختلف الجواب فيهما فيجعل لأحدهما قيمة ويسقط القيمة عن ما استهلك الآخر، فأما أن يشبه أحدهما بالآخر، ثم يضرب عن ذكر الذي يشبهه به، ويجيب عن نصراني [ ص: 92 ] لم يجر له في المسألة ذكر، فذلك غير لازم، وعلى أنه لو سومح فيما ذكر من أمر النصراني لكان اللازم أن يجعل على من أتلف على نصراني خمرا فوجبت فيه قيمته أن يكون كلب النصراني مشبها بخمر النصراني، و[كلب] المسلم مشبه بخمر المسلم، فكما لا يجعل على من أتلف على مسلم خمرا قيمة، كذلك لا يجعل على من أتلف على مسلم كلبا قيمة، هذا لو جاز أن يشبه أحدهما بالآخر، وليس في وجوب القيمة للنصراني في خمره (التي) أتلف عليه حجة، بل دلائل الكتاب والسنة تدل على (أن لا قيمة) لذلك ولو لم يكن مما ذكرناه شيء لم يجز أن يجعل مسألة خولف فيها (قياسا) على مسألة أخرى خولف فيها معنى .

وقال أبو بكر: وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فلا قيمة لشيء أتلف مما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وفي معنى ذلك [الطنابير] والعيدان، والمزامير، والطبول، وما يتخذ للهو لا يصلح لغيره، فمن أتلف من ذلك شيئا فلا قيمة عليه، إلا أن يكون بعض ما ذكرناه يصلح أن يجعل وعاء لغير [ ص: 93 ] ما ذكرناه فيكون على متلف ذلك قيمته، لأنه يصلح لغير اللهو، وقد روينا أن رجلا كسر طنبورا لرجل فخاصمه إلى شريح فلم يقض (فيه) بشيء، وكان سفيان الثوري يقول فيمن كسر طنبورا لمعاهد فقال: يغرم، وكذلك قال فيمن قتل خنزيرا لمعاهد. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: ما يعجبنا أن يفعل [ذلك] فإن فعل فليس عليه شيء ليس له ثمن .

قال أبو بكر: وكما قال شريح وأحمد بن حنبل وإسحاق نقول، وقال أصحاب الرأي فيمن غصب جلد ميتة فدبغه: كان لرب الجلد أن يأخذه، فإن كان الغاصب قد أنفق على الجلد في دباغه، فإن رب الجلد بالخيار: إن شاء ضمنه قيمة جلده وإن شاء أخذه، وضمن الغاصب ما أنفق عليه .

وكان الشافعي يقول: إن كسر لنصراني صليبا، فإن كان يصلح لشيء من المنافع مفصلا، فعليه ما بين قيمته مفصلا ومكسورا وإلا فلا شيء عليه، وإن أراق له خمرا أو قتل خنزيرا، فلا شيء عليه ولا قيمة لمحرم، لأنه لا يجري عليه ملك، وهذا قول أبي ثور [ ص: 94 ] في الخمر والخنزير، ولا (أحفظ) ما قال في الصليب واحتج على من جعل قيمة الخمر والخنزير، لأنهما مال. فقال: أرأيت مجوسيا اشترى بين يديك غنما [بألف] درهم، (ثم وقذها) كلها ليبيعها، فحرقها مسلم أو مجوسي، فقال: هذا مالي وهذه ذكاته عندي، وحلال في ديني وفيه ربح كثير وأنت [تقرني] على بيعه وأكله، وتأخذ مني الجزية عليه فخذ لي (قيمته) قال: أقول: ليس ذلك بالذي يوجب لك أن أكون شريكا لك في الحرام ولا حق لك، قال: فكيف حكمت بقيمة الخمر والخنزير وهما عندك حرام؟!

التالي السابق


الخدمات العلمية