صفحة جزء
باب ذكر الجنايات على الدواب

قال أبو بكر: اختلف أهل العلم في الرجل يجني على الدابة فيقطع منها عضوا .

فقالت طائفة: هي له وعليه ثمنه هذا قول ابن أشوع (وقد قال في حمار قطع رجل ذنبه) قال: يدفع إليه الحمار ويغرمه ثمنه، وقد [ ص: 95 ] روينا عن شريح أنه قال: من كسر شيئا فهو له، وعليه مثله، ومن كسر عصا أخيه فهي له وعليه مثلها، وروينا عنه أنه قال: من أفسد شيئا فهو له وعليه مثله، ومن خرق ثوبا فهو له وعليه مثله، ومن كسر عودا فهو له وعليه مثله .

قال أبو بكر: وقد ذكرت مذهب أصحاب الرأي في أشياء من هذا النحو، أنهم يجعلون الشيء المغير عن حالته للغاصب، ويجعلون عليه قيمته وهي مذكورة في بعض الأبواب التي ذكرناها (فيما) مضى، وقد ذكرت عن مالك في بعض المسائل أنه وافقهم على بعض أقاويلهم، قال مالك في الثوب يفسده: رأيت أن يرفوه ثم يغرم ما نقصه بعد الرفو، وإن كان الفساد كثيرا فإنه يأخذ الثوب ويغرم قيمته يوم أفسده لرب الثوب، وكذلك في المتاع مثل ما [في] الثوب .

واختلفوا في الرجل يجني على عين الدابة. فقالت طائفة: في عين الدابة ربع ثمنها، روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وليس ذلك بثابت عن أحد منهما .

9698 - أخبرنا أبو بكر قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن جابر، عن الشعبي، عن شريح "أن عمر كتب إليه في عين الدابة ربع ثمنها" . [ ص: 96 ]

9699 - حدثنا ابن (شعبان) أخبرنا أبو بكر قال: حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أن رجلا أخبره أن شريحا قال: قال لي عمر: في عين الدابة ربع ثمنها .

9700 - حدثنا أبو بكر قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الكريم أن عليا قال: في عينها الربع .

قال أبو بكر: وقد روينا عن علي غير ذلك. قال عبد الرزاق: وسمعت أنا من يحدث عن محمد بن جابر، عن جابر عن الشعبي أن عليا قضى في الفرس تصاب عينه: بنصف ثمنه .

قال أبو بكر: وقد روينا عن عمر شبيها بهذه الرواية .

9701 - أخبرنا أبو بكر قال: حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق، عن [ابن] عيينة، عن المجالد، عن الشعبي أن عمر قضى في عين جمل أصيب بنصف ثمنه ثم نظر إليه بعد [فقال]: ما أراه نقص من قوته ولا هدايته شيء فقضى فيه بربع ثمنه . [ ص: 97 ]

قال أبو بكر: وقد روينا عن شريح أنه قال في عين الدابة إذا فقئت بربع ثمنها إذا كان صاحبها قد رضي جبرها، وإن شاء شراءها .

قال أبو بكر: والذي يجب في كل ما ذكرته في هذا الباب من الجنايات على الآنية، والعصي والخشب، والثياب، والدواب، وغير ذلك غير بني آدم إذا كان لما بقي من الشيء المجني عليه ثمن أن يقوم الشيء قبل أن يجني عليه، ويقوم بعدما جنى عليه ثم ينظر ما بينهما فيغرم الغاصب أو الجاني ذلك ويكون الشيء المجني عليه لربه لا يزول نقل ملك مسلم عن ما ملكه إلى ملك آخر لجناية يجنيها، ولا نعلم مع من خالفنا في هذا الباب حجة. وهذا على مذهب الشافعي وأبي ثور وجماعة من أصحابنا، والأخبار التي رويناها عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب غير ثابتة، لأن في حديث عمرو بن دينار أن رجلا أخبره أن شريحا قال: والرجل مجهول ولا تقوم بحديثه الحجة وحديث جابر الجعفي ليس له معنى، لأن جابرا متروك عندهم، والشعبي لم يلق [عمر] ، وليس منه شيء يثبت، وقال الليث بن سعد في الرجل يفقأ عين الدابة فقال: عليه ما نقص من ثمنها في فقء عينها .

قال أبو بكر: وكتب إلي محمد بن أحمد بن سهل بن راشد الصفار قال: أخبرنا الحارث بن مسكين قال عبد الرحمن بن القاسم قال: سئل مالك عن رجل في أرض العدو، وأنه دخل هو وجماعة من المسلمين مضيقا فخاف على نفسه وعلى من معه فنزل وأمر أصحابه بالنزول فقالوا له: لا نفعل فإنا نخشى أن يقطع بنا العدو فاركب، فركب [ ص: 98 ] ورمحه في يده فأصاب به فرس رجل وهو لا يعمده وصاحبه لا يعلم فلم يسر إلا يسيرا حتى سقط [الفرس] وصاحبه يظن أن العدو (هم الذين أصابوه. فترى عليه شيئا؟ قال: ما أرى عليه شيئا، وقال: الدابة بمنزلة الإنسان) يصيبه ما لا يستطيع أن يدع [سلاحه] لموضع (خوفا) فما أرى عليه في ذلك شيئا .

قال أبو بكر: ولا أعلم أحدا وافق مالكا على مقالته هذه، فكل من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون: الخطأ والعمد في الجنايات على (أموال) الناس واحد يغرم من أصاب من ذلك شيئا إلا في المأثم فإن (من) أخطأ فأتلف شيئا (لا مأثم عليه) وعليه الغرم، وإنما يلزم المأثم من علم الشيء فتعمده وأصابه وأتلفه ولا يفارق أحدا من الجانين الغرم . [ ص: 99 ]

(تم كتاب الغصب وبتمامه كمل كتاب الإشراف لابن المنذر بحمد الله ومنه، وكان الفراغ من نسخه يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر المحرم سنة أربع وثلاثين وسبعمائة على يد العبد الفقير إلى الله تعالى: علي بن عمر بن عبد الله بن مسعود بن عكاش اليماني نسبا الشافعي مذهبا حامدا وشاكرا ومصليا) .

السابق


الخدمات العلمية