صفحة جزء
باب زكاة الثمار وخرصها.

قال الله سبحانه وتعالى: ( وآتوا حقه يوم حصاده ) .

قال مالك: سمعت من يقول: إن ذلك الزكاة. [ ص: 37 ] .

1579 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا عبد الله بن نافع، عن محمد بن صالح التمار، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن عتاب بن أسيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في زكاة الكرم: "يخرص كما يخرص النخل، ثم يؤدى زكاته زبيبا كما يؤدى زكاة النخل تمرا".

وبإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص على الناس كرومهم وثمارهم. [ ص: 38 ] .

أخبرنا أبو عثمان الضبي، أنا أبو محمد الجراحي، نا أبو العباس المحبوبي، نا أبو عيسى، نا أبو عمرو مسلم بن عمرو الحذاء، أنا عبد الله بن نافع بهذا الإسناد الحديثين جميعا.

هذا حديث حسن.

والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وبه يقول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، أنه تخرص الثمار على أربابها، فبعد بدو الصلاح في العنب والرطب بعث الإمام خارصا يخرص عليهم، ويقول: تحصل من هذا الرطب كذا من التمر، ومن هذا العنب كذا من الزبيب، فيحصي على أرباب الأموال، ثم يخلي بينهم وبينها يصنعون بها ما شاؤوا، ثم يأخذ منهم العشر بعدما أدرك وجف، فإن ادعى رب المال نقصانا عما خرص، فالقول قوله.

وحكي عن الشعبي، أنه قال: الخرص بدعة.

وأنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يخرص ذلك تخويفا للأكرة، لئلا يخونوا، فأما أن يلزم به حكم، فلا، لأنه ظن وتخمين، والأول أولى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمل به، والصحابة من بعده، وعامة العلماء على تجويزه.

وقولهم: هو ظن وتخمين.

ليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمر، كالكيل والوزن وإن كان بعضه أحصر من بعض، فهو كتقويم المتلفات، والحكم بالاجتهاد.

وإنما يسن الخرص في النخيل والأعناب دون الحبوب، لأن الحبوب لا تؤكل رطبة، وثمر النخيل والأعناب تؤكل رطبة، فتتلف حقوق المساكين. [ ص: 39 ] .

وقد روي عن سهيل بن أبي حثمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: "إذا خرصتم، فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع".

قال أبو داود: الخارص يدع الثلث للخرفة، وكذا قال يحيى القطان، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الثلث والربع متروك لهم عن عرض المال توسعة عليهم، فقد يكون من السقاطة، وينتابها الطير، ويخترفها الناس للأكل.

وكان عمر بن الخطاب يأمر الخراص بذلك، وبه قال أحمد، وإسحاق.

وذهب بعضهم إلى أنه لا يترك لهم شيئا شائعا، بل يفرد لهم نخلات معدودة قد علم مقدار ثمرها بالخرص.

قال رحمه الله: اتفق أهل العلم على وجوب العشر في النخيل والكروم، وفيما يقتات من الحبوب مما يزرعه الآدميون، واختلفوا فيما سواها من الثمار والزروع، فذهب الشافعي، وابن أبي ليلى إلى أنه لا عشر في شيء منها، وكذلك قال مالك: لا يجب في شيء من الفواكه والبقول.

وقال أبو حنيفة: يجب العشر في جميعها.

وذهب الشافعي في القديم إلى إيجاب العشر في الزيتون، وبه قال الزهري، وهو قول [ ص: 40 ] مالك، والأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي.

واختلفوا في كيفية الأخذ، فقال مالك، والأوزاعي: يؤخذ بعد العصر من الزيت إذا بلغ زيتونه خمسة أوسق.

وقال أصحاب الرأي: يؤخذ من ثمره.

أما الخضراوات، فلا عشر فيها عند أكثر العلماء، وقال أبو حنيفة: يجب فيها العشر إلا الحطب، والحشيش، والقصب الفارسي، وخالفه صاحباه، فلم يوجبا فيه العشر.

وروي عن موسى بن طلحة، قال: عندنا كتاب معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إنما أمره أن يأخذ الصدقة من الحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر. [ ص: 41 ] .

وكل ثمرة أوجبنا فيها الزكاة، فإنها تجب ببدو الصلاح، ووقت الإخراج بعد الاجتناء والجفاف.

وكل حب أوجبنا فيه العشر، فوقت وجوبه اشتداد الحب، ووقت الإخراج بعد الدياسة والتنقية، ولا حول لها، إنما الحول للمواشي والنقود، لأن نماءها لا يظهر إلا بمضي الحول.

قال مالك: الأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه، أنه لا يخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب، أما ما لا يؤكل رطبا إنما يؤكل بعد حصاده مثل الحبوب كلها، فإنه لا يخرص، وإنما على أهله فيه الأمانة. [ ص: 42 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية