صفحة جزء
باب ترك الوضوء مما مست النار.

169 - قال الإمام الحسين بن مسعود: أنا أبو الحسن الشيرزي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي السامري، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ".

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم، عن القعنبي، كلاهما، عن مالك .

وعطاء بن يسار كنيته: أبو محمد، مولى ميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه سليمان بن يسار.

وزيد بن أسلم : كنيته: أبو أسامة، مولى عمر بن الخطاب.

قال الشيخ الإمام: أكل ما مسته النار لا يوجب الوضوء، وهو قول الخلفاء الراشدين، وأكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. [ ص: 348 ] .

وذهب بعضهم إلى إيجاب الوضوء منه، كان عمر بن عبد العزيز يتوضأ من السكر، واحتجوا بما روي عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "توضؤوا مما مست النار ولو من ثور أقط".

والثور: القطعة من الأقط، وجمعه أثوار، وهذا منسوخ عند عامة أهل العلم.

وسئل جابر عن الوضوء مما مست النار، قال: "كنا لا نجد مثل ذلك إلا قليلا، فإذا نحن وجدناه، لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ".

وروي عن جابر، أنه قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار".

وسئل ابن عمر عن الوضوء مما غيرت النار، فقال: "الوضوء مما خرج، وليس مما دخل، لأنه لا يدخل إلا طيبا، ولا يخرج إلا خبيثا". [ ص: 349 ] .

وذهب جماعة من أهل الحديث إلى إيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل خاصة، وهو قول أحمد، وإسحاق، محتجين بما روي عن البراء بن عازب، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: "توضؤوا منها".

وسئل عن لحوم الغنم، فقال: "لا تتوضؤوا منها".

وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: "لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين".

وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: "صلوا فيها، فإنها بركة". [ ص: 350 ] .

وذهب عامة الفقهاء إلى أن أكل لحم الإبل لا يوجب الوضوء، وتأولوا الحديث على غسل اليد والفم للنظافة، كما روي: أنه عليه السلام مضمض من اللبن، وقال: "إن له دسما" وخص لحم الإبل به، لشدة زهومته.

قال الحسن : الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم، والمراد منه: غسل اليدين.

قال قتادة : من غسل يديه فقد توضأ. [ ص: 351 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية