صفحة جزء
1833 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، نا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، نا محمد هو ابن سلام، أنا محمد بن فضيل بن غزوان، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، وإذا صلى الغداة حل مكانه الذي اعتكف فيه، قال: فاستأذنته عائشة أن تعتكف، فأذن لها، فضربت فيه قبة، فسمعت بها حفصة، فضربت قبة، وسمعت زينب بها، فضربت قبة أخرى، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغداة، أبصر أربع قباب، فقال: "ما هذا؟"، فأخبر خبرهن، فقال: "ما حملهن على هذا البر، انزعوها فلا أراها"، فنزعت، فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال. [ ص: 393 ] .

هذا حديث متفق على صحته، ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن يحيى بن سعيد، بإسناده، وقال: ترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال.

قال رحمه الله: ويحتمل أن يكون المراد من قوله في الرواية الأولى: حتى اعتكف في آخر العشر من شوال.

هذا أيضا يعني: في آخر العشر من شهر رمضان من أول شوال.

في هذا الحديث من الفقه أن المعتكف يبتدئ الاعتكاف من أول النهار، فيدخل المعتكف بعدما صلى الفجر، وهو قول الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.

وذهب قوم إلى أنه يدخل قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها من الغد، فإذا أراد اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان، يدخل قبل غروب الشمس من يوم العشرين، وهو قول مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.

وعن مالك أنه رأى أهل الفضل إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان، لا يرجعون إلى أهاليهم حتى يشهدوا العيد مع الناس، قال: وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا.

قال رحمه الله: وفيه دليل على جواز الخروج عن الاعتكاف، إذا لم يكن واجبا بنذر. [ ص: 394 ] .

وفيه دليل على أن ليس للمرأة أن تعتكف بغير إذن الزوج، وعلى أن للزوج إخراجها منه بعد الإذن، وبه قال الشافعي، وقال مالك: ليس له إخراجها بعد الإذن.

وفيه دليل على أن الاعتكاف يختص بالمسجد، وذهب قوم إلى أن اعتكاف المرأة في بيتها يجوز.

وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الاعتكاف في جميع المساجد، قال الله سبحانه وتعالى: ( وأنتم عاكفون ) ، ولم يفصل، وهو قول سعيد بن جبير، والنخعي، وأبي قلابة، وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.

وروي عن علي أنه قال: لا يجوز إلا في المسجد الجامع، وروي ذلك عن عائشة، وهو قول الزهري، والحكم، وحماد، وكان حذيفة بن اليمان يقول: لا يكون الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: مسجد مكة، والمدينة، وبيت المقدس.

وقال عطاء: لا يعتكف إلا في مسجد مكة والمدينة.

وقال مالك: لا يعتكف أحد إلا في المسجد أو في رحبة من رحاب المسجد، ولا يعتكف فوق ظهر المسجد، ولا في المنارة. [ ص: 395 ] .

قال رحمه الله: في اعتكافه في شوال دليل على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى، كالفرائض، واختلفوا في أنه إذا خرج من اعتكاف التطوع، هل عليه قضاؤه؟ فذهب قوم إلى أن عليه القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضاه في شوال، وهو قول مالك.

وذهب قوم إلى أنه لا قضاء عليه، إلا أن يشاء، وبه قال الشافعي.

قال الشافعي: كل عمل لك أن لا تدخل فيه، فإذا خرجت منه، لا قضاء عليك إلا الحج والعمرة.

وفي اعتكافه في أول شوال دليل على أن الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف، لأن يوم العيد غير قابل للصوم، روي ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الشافعي.

وذهب جماعة إلى أنه لا اعتكاف إلا بصوم، روي ذلك عن ابن عمر، وعائشة، وهو قول سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وإليه ذهب الزهري، والأوزاعي، ومالك، وأصحاب الرأي.

التالي السابق


الخدمات العلمية