صفحة جزء
2099 - أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، نا علي بن الجعد ، أنا زهير بن معاوية ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يبع حاضر لباد، ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " . [ ص: 124 ] .

هذا حديث صحيح.

أخرجه مسلم ، عن أحمد بن يونس ، عن زهير .

ويروى فيه عن أنس ، وابن عباس : فقيل لابن عباس ما قوله: لا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارا.

وقال أنس : نهينا أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أخاه أو أباه .

وفي هذا الحديث دليل على أن الحضري إذا باع للبدوي لا يكون العقد فاسدا، ولو كان فاسدا لم يكن فيه منع من ارتفاق بعضهم من بعض، وذهب قوم إلى أن النهي عن بيع الحاضر للبدوي، بمعنى الإرشاد دون الإيجاب.

وكان مجاهد يقول: لا بأس في هذا الزمان، وإنما وقع النهي عنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 125 ] .

وقوله: "لا تصروا الإبل والغنم" التصرية فسرها الشافعي بأن يربط أخلاف الناقة أو الشاة، ويترك حلبها اليومين والثلاثة حتى يجتمع اللبن في ضرعها، ثم تباع، فيظنها المشتري كثيرة اللبن، فيزيد في ثمنها، فإذا حلبها مرتين أو ثلاثا، وقف على التصرية والغرور.

وقال أبو عبيد : هو من صريت الماء، وهو حبس الماء وجمعه، ولو كان من الربط، لكان مصرورة، أو مصررة.

وما قال الشافعي صحيح في المعنى، وذلك أن العرب كانت تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلتها تسرح، ويسمون ذلك الرباط إصرارا، فإذا أراحت، حلت تلك الأصرة وحلبت.

ويجوز أن يكون أصل المصرة مصررة، أبدلت إحدى الرائين ياء، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( وقد خاب من دساها ) وأصله: دسسها، أي أخملها بمنع الخير.

وتسمى المصراة محفلة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من اشترى شاة محفلة فردها، فليرد معها صاعا، سميت محفلة لحفول اللبن واجتماعه في ضرعها، والحفل: الجمع الكثير.

ثم حكم المصراة اختلف أهل العلم فيه، فذهب جماعة إلى أن المشتري إذا علم بها بعد ما حلبها، فله أن يردها بعيب التصرية، ويرد معها صاعا من تمر مكان ما حلب من اللبن، كما هو ظاهر الحديث، وهو قول مالك ، والشافعي ، والليث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور .

وقال أبو حنيفة : لا خيار له بسبب التصرية، وليس له ردها بالعيب بعد [ ص: 126 ] ما حلبها.

وقال ابن أبي ليلى ، وأبو يوسف : يردها ويرد معها قيمة اللبن، والحديث حجة عليهم.

والمعنى في إيجاب صاع من التمر بعد الحلب، أن اللبن لا يمكن رده لنقصانه بالحلب، وقد حدث بعد البيع بعضه على ملك المشتري، فلا يجب رده، فيتنازعان في القدر الموجود يوم العقد، فالشرع قطع الخصومة بينهما بإيجاب بدل مقدر من غير أن ينظر إلى قلة اللبن أو كثرته، كما جعل دية النفس مائة من الإبل، مع اختلاف أحوال النفوس في القوة والضعف، والصغر والكبر، والجمال والقبح، وسوى بين الأصابع في الدية مع اختلافها، وهذا كما لو جنى على امرأة حامل، فألقت جنينها ميتا أوجب الشرع على الجاني غرة عبدا أو أمة، على خلاف القياس؛ لأنهما يتنازعان في حياته، فيدعي الجاني أنه ميت لا شيء عليه فيه، ويقول الولي: كان حيا قتلته فعليك الدية.

فقطع الشرع مادة النزاع بينهما بإيجاب الغرة، كذلك ههنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية