صفحة جزء
باب رجم الذمي إذا زنى وإحصانه.

2583 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " ، قالوا: نفضحهم، ويجلدون.

قال عبد الله بن سلام : كذبتم، إن فيها لآية الرجم.

فأتوا بالتوراة، فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام : ارفع يدك.

فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد ، فيها آية الرجم.

" فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما "
.

قال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يجنئ على المرأة يقيها الحجارة. [ ص: 285 ] .

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد ، عن إسماعيل بن عبد الله ، وأخرجه مسلم ، عن أبي الطاهر ، عن عبد الله بن وهب ، كلاهما عن مالك .

قوله: يجنئ عليها، أي: يكب عليها، يقال: أجنأ عليه، يجنئ: إذا أكب عليه يقيه شيئا، ويقال: جنأ يجنأ جنوأ إذا أكب عليه.

قال الإمام: هذا الأصح.

قال الإمام: في هذا الحديث دليل على أن الذمي إذا أصاب بالنكاح الذي عقده على اعتقاده يصير محصنا، وأن أنكحة الشرك يعطى لها حكم الصحة، ولولا ذلك لم يقروا عليه بعد الإسلام، ولم يجب الرجم عليهم بالزنا، وإذا كان لها حكم الصحة يحصل بها التحليل حتى لو طلق المسلم امرأته الكتابية ثلاثا، ونكحت ذميا وأصابها، حلت لزوجها المسلم بهذه الإصابة، وكذلك المسلم إذا أصاب زوجته الكتابية يصير محصنا حتى لو زنى بعده يجب عليه الرجم.

وهو قول الزهري ، وإليه ذهب الشافعي ، وكذلك إذا كان أحد الزوجين حرا، والآخر رقيقا، فأصابها، يصير الحر محصنا بهذه الإصابة.

قال ابن عمر : الأمة تحصن الحر، وكذلك لو كان أحدهما عاقلا بالغا، والآخر مجنونا أو مراهقا، يصير البالغ العاقل محصنا بالإصابة في هذه الحالة، وهل يكتفى بهذه الإصابة في حق الرقيق، والمراهق، والمجنون حتى لو عتق، أو أفاق، أو بلغ يكون محصنا بتلك الإصابة؟ اختلف أصحاب الشافعي فيه، منهم [ ص: 286 ] من جعله محصنا، ومنهم من لم يجعله محصنا، وهو الأصح ما لم توجد الإصابة في حالة الكمال لأنه لما شرط أكمل الإصابات، وهو أن يكون بالنكاح الصحيح حتى إن الإصابة بملك اليمين، أو بالنكاح الفاسد لا تحصنه، فكذلك يشترط أن تكون تلك الإصابة في حال كمال المصيب، وإليه ذهب مالك ، قال: الأمة كذلك إذا كانت تحت الحر فمسها فقد أحصنته، وهو لا يحصنها حتى يصيبها بعد عتقها، وكذلك الحرة تكون تحت عبد فأصابها فقد أحصنها، وهي لا تحصنه حتى توجد الإصابة بعد عتقه.

قال مالك : وكل من أدركت كان يقول ذلك.

وذهب أصحاب الرأي إلى أنه إذا كان أحد الزوجين في حال الإصابة رقيقا، أو مجنونا، أو مراهقا لا يصير الآخر به محصنا، وكذلك قالوا: الكتابية لا تحصن زوجها المسلم.

والحديث حجة لمن ذهب إلى إيجاب الرجم على المشرك إذا زنى، وهو قول أكثر أهل العلم، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

وذهب قوم إلى أن الكافر لا يرجم، وهو قول أصحاب الرأي، وتأولوا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم رجمها بحكم التوراة، وهذا تأويل غير صحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) ، ولا يجوز أن يظن به صلى الله عليه وسلم أنه يترك حكم كتابه، وأمره الله أن يحكم به، ويحكم بالمنسوخ، وإنما احتج عليهم بالتوراة استظهارا.

وفي الحديث دليل على أن الذميين إذا ترافعوا إلينا فيما شجر بينهم يجب على حاكمنا أن يحكم بينهم جبرا، وهو أصح قولي الشافعي [ ص: 287 ] وأظهرهما، واختاره المزني ، وإذا جاء أحدهما واستعدى على خصمه يجب أن يعديه، وتأول قوله عز وجل: ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) أن الصغار هو جريان حكم الإسلام عليهم على قهر منهم، وفيه قول آخر: أنه بالخيار إن شاء حكم بينهم، وإن شاء ردهم إلى حاكمهم، لقوله سبحانه وتعالى: ( فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) ، وإذا جاء مستعديا لا يجب على هذا القول أن يعديه إلا أن يتراضيا بحكمه، والأول أصح؛ لأن الذميين اللذين رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قدرا على إسقاط الحد عن أنفسهما بترك الرضا لبادرا إليه، وإذا اختار الحكم يجب أن يحكم بحكم الإسلام، فأما إذا كانت الخصومة بين المسلم والذمي، فلم يختلفوا في أن على حاكم المسلمين أن يحكم بينهما، ويجب الإعداء إذا استعدى كما إذا كانت الخصومة بين المسلمين.

وفي الحديث دليل على أن المرجوم لا يشد ولا يربط، ولا يجعل في الحفرة، لأنه لو كان شيء من ذلك لم يمكنه أن يجنئ عليها ويقيها الحجارة.

وروي في رجم ماعز أنه هرب، ولو كان مشدودا أو في حفرة لم يمكنه الهرب، وروي عن بريدة في رجم ماعز أنه حفر له حفرة، وفي الغامدية فحفر لها إلى صدرها، وأكثر الروايات ليس فيها ذكر الحفر، وعن أبي سعيد الخدري ، قال: فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له، واختلف أهل العلم فيه، فقال قوم: لا يحفر له. [ ص: 288 ] .

وإليه مال أحمد ، وقال قتادة : يحفر للرجل والمرأة جميعا.

وقال بعضهم: لا يحفر للرجل، ويحفر للمرأة، وهو قول أبي يوسف ، وأبي ثور .

التالي السابق


الخدمات العلمية