صفحة جزء
باب حد شارب الخمر.

2604 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا آدم بن أبي إياس ، نا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم " ضرب في الخمر بالجريد، والنعال، وجلد أبو بكر أربعين " .

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم ، عن محمد بن مثنى ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة [ ص: 332 ] .

واختلف أهل العلم في حد شارب الخمر، فروى ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن أزهر ، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب، قال: " اضربوه " ، فضربوه بالأيدي، والنعال، وأطراف الثياب، وحثوا عليه التراب، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بكتوه " فبكتوه، ثم أرسله ، قال: فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك المضروب، فقومه أربعين، فضرب أبو بكر في الخمر أربعين جلدة، ثم عمر حتى تتايع الناس في الخمر، فاستشار، فضرب ثمانين.

قوله: " بكتوه "، التبكيت يكون تقريعا باللسان، يقال له: يا فاسق أما استحييت، أما اتقيت، ويكون باليد، والعصا، ونحوه، والتتايع: التهافت، يقال: فلان يتتايع، أي: يرمي بنفسه في الأمر سريعا.

وروى مالك ، عن ثور بن زيد الديلي، " أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي : أرى أن يجلد ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كما قال، فجلد عمر في الخمر ثمانين ". [ ص: 333 ] .

قال الإمام: ذهب قوم إلى أن حد الخمر أربعون جلدة.

وبه قال الشافعي ، وما زاد عمر على الأربعين كان تعزيرا، وللإمام أن يزيد في العقوبة إذا أدى إليه اجتهاده، وذهب جماعة إلى أن حد الخمر ثمانون، وهو قول مالك ، وأصحاب الرأي ، وروي عن حصين بن المنذر الرقاشي أبو ساسان ، قال: شهدت عثمان بن عفان ، وأتي بالوليد بن عقبة ، فشهد عليه حمران ورجل، فشهد أحدهما أنه رآه يشربها، وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها، فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها، فقال لعلي: أقم عليه الحد.

فقال علي للحسن : أقم عليه الحد.

فقال الحسن : ول حارها من تولى قارها.

فقال علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد.

قال: فأخذ السوط، فجلده، وعلي يعد، فلما بلغ أربعين قال: حسبك، " جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين " ، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي.

قوله: "ول حارها من تولى قارها"، يريد: ول العقوبة والضرب من توليه العمل والنفع، والقار: البارد، قال الأصمعي : ول شديدها من تولى هينها. [ ص: 334 ] .

وفي قول علي عند الأربعين: حسبك، دليل على أن أصل الحد في الخمر إنما هو أربعون، وما وراءها تعزير، ولو كان حدا ما كان لأحد فيه الخيار.

وروي عن أبي صالح ، عن معاوية ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه " ، وهذا أمر لم يذهب إليه أحد من أهل العلم قديما وحديثا أن شارب الخمر يقتل.

قال الخطابي : قد يرد الأمر بالوعيد، ولا يراد به وقوع الفعل، وإنما يقصد به الردع، والتحذير، كقوله صلى الله عليه وسلم : " من قتل عبده قتلناه " ، وهو لو قتل عبد نفسه لم يقتل به في قول عامة الفقهاء، قال أبو عيسى : إنما كان هذا في أول الأمر، ثم نسخ بعد، هكذا روى محمد بن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " إن [ ص: 335 ] شرب الخمر، فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة، فاقتلوه " ، قال: ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة، فضربه، ولم يقتله.

وكذلك روى الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومما يقوي هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه كثيرة، أنه قال: " لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث " قال الإمام: وحديث قبيصة ما.

التالي السابق


الخدمات العلمية