صفحة جزء
2740 - وأخبرنا أبو سعيد الطاهري، أنا جدي عبد الصمد البزاز، أنا محمد بن زكريا العذافري، أنا إسحاق الدبري، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قرأ عمر بن الخطاب: ( إنما الصدقات ) حتى بلغ ( عليم حكيم ) ، فقال: "هذه لهؤلاء"، ثم قرأ: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) حتى بلغ ( وابن السبيل ) ، ثم قال: "هذه لهؤلاء"، ثم قرأ: ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) ، حتى بلغ: ( والذين جاؤوا من بعدهم ) ، ثم قال: "هذه استوعبت المسلمين عامة، فلئن عشت، فليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه". [ ص: 139 ] .

وعن مالك ابن أوس بن الحدثان، قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما الفيء، فقال: ما أنا أحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا أحق به من أحد إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل، "وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته".

قال رحمه الله : اختلف أهل العلم في تخميس الفيء ، والفيء : ما صار إلى المسلمين ، من أموال الكفار من غير إيجاف خيل ولا ركاب ، فذهب الشافعي إلى أنه يخمس ، ويخمس خمسه على خمسة أقسام ، كخمس الغنيمة ، ويصرف أربعة أخماسه ، إلى المقاتلة ، أو إلى المصالح ، واحتج بقول الله سبحانه وتعالى : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) ، وكان يذهب إلى أن ذكر الله في أول الآية على سبيل التبرك بالافتتاح باسمه ، كما قال في آية الغنيمة (فأن لله خمسه وللرسول) وهو قول جماعة من أهل التفسير ، قال عطاء بن أبي رباح والشعبي : سهم الله وسهم رسوله واحد ، وقال قتادة : ( فأن لله خمسه ) ، هو لله ، ثم بين مصارفها .

وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الفيء لا يخمس ، بل مصرف جميعها واحد ، إليه كان يذهب عمر رضي الله عنه .

قال الزهري : قال عمر : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) ، هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قرى عربية فدك وكذا وكذا : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى [ ص: 140 ] واليتامى والمساكين وابن السبيل للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) و ( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ) و ( والذين جاؤوا من بعدهم ) فاستوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق ، إلا بعض ما تملكون من أرقائكم .

فذهب عمر إلى أن هذه الآية مسوقة بعضها على بعض ، وأن جملة الفيء لجميع المسلمين يصرفها الإمام إلى مصالحهم على ما يراه من الترتيب وهو قول أكثر أهل الفتوى .

أما العبيد فقد روي عن أبي بكر أنه كان يعطى الأحرار والعبيد .

وروينا عن عمر قوله : ( إلا ما ملكت أيمانكم ) فهو يتأول على وجهين ، أحدهما : ما ذهب إليه أبو عبيد أن الاستثناء يرجع إلى مماليك بأعيانها كانوا شهدوا بدرا ، وروي بإسناده عن مخلد الغفاري ، أن مملوكين أو ثلاثة لبني غفار شهدوا بدرا ، فكان عمر يعطي كل رجل منهم في كل سنة ثلاثة آلاف درهم .

قال : فأحسب أنه أراد هؤلاء المماليك .

وقال غيره : بل أراد جميع المماليك ، وقال أحمد وإسحاق : الفيء للفقير والغني ، إلا العبيد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى العباس من مال البحرين وهو غني ، وذكر الشافعي في قسمه الفيء ، قال : ينبغي للإمام أن يحصي جميع من في البلدان من المقاتلة ، وهم من قد احتلم ، أو استكمل خمس عشرة سنة من الرجال ، ويحصي الذرية ، وهم من دون [ ص: 141 ] المحتلم ودون خمس عشرة سنة ، والنساء صغيرهن وكبيرهن ، ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه من مؤوناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ، ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم ، والذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم .

والعطاء الواجب في الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال .

قال : ولم يختلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء حق ، ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة .

قال : وإن فضل من الفيء شيء بعد ما وصفت من إعطاء العطاء ، وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في السلاح والكراع ، وكل ما قوى به المسلمين ، فإن استغنوا عنه وكملت كل مصلحة لهم ، فرق ما يبقى منه بينهم على قدر ما يستحقون في ذلك المال .

قال : ويعطي من الفيء رزق الحكام ، وولاة الأحداث ، والصلاة بأهل الفيء ، وكل من قام بأمر الفيء من وال ، وكاتب ، وجندي ممن لا غنى له لأهل الفيء عنه رزق مثله .

واختلفوا في التفضيل على السابقة والنسب ، فذهب أبو بكر إلى التسوية بين الناس ، ولم يفضل بالسابقة حتى قال له عمر : أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، وهاجروا من ديارهم كمن دخل في الإسلام كرها؟! ، فقال أبو بكر : إنما عملوا لله ، وإنما أجورهم على الله ، وإنما الدنيا بلاغ .

وكان عمر يفضل السابقة ، والنسب ، فكان يفضل أقران ابنه على ابنه ، ويقول : هاجر بك أبوك ، وكان يفضل عائشة على حفصة ، ويقول : إنها كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، وأبوها كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك ، وروى نافع ، عن ابن عمر ، قال : فرض [ ص: 142 ] عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي ، فقلت : إنما هجرتي وهجرة أسامة واحدة ؟ قال : إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك ، وإنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، وإنما هاجر بك أبوك ، ثم رد علي الأمر إلى التسوية .

ومال الشافعي إلى التسوية ، وشبهه بالميراث يسوى فيه بين الولد البار والعاق ، وبسهم الغنيمة يسوى فيه بين الشجاع الذي حصل الفتح على يديه ، وبين الجبان إذا شهدا جميعا الوقعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية