صفحة جزء
2751 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" [ ص: 170 ] قال رحمه الله : اتفقت الأمة على أخذ الجزية من أهل الكتابين وهم اليهود والنصارى إذا لم يكونوا عربا ، لقوله سبحانه وتعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) .

واختلفوا في الكتابي العربي ، وفي غير أهل الكتاب من كفار العجم ، فذهب الشافعي إلى أن الجزية على الأديان لا على الأنساب ، فتؤخذ من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ، ولا تؤخذ من أهل الأوثان بحال ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من أكيدر دومة ، وهو رجل من العرب ، يقال : من غسان ، وأخذ من أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب ، ومن أهل نجران وفيهم عرب .

وذهب مالك والأوزاعي إلى أنه تؤخذ من جميع الكفار ، إلا المرتد ، وفي امتناع عمر رضي الله عنه من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها ، دليل على أن رأي الصحابة كان على أنها لا تؤخذ من كل مشرك ، إنما تؤخذ من أهل الكتاب منهم .

واتفقوا على أخذ الجزية من المجوس ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم ليسوا من أهل الكتاب ، وإنما أخذت الجزية منهم بالسنة ، كما أخذت من اليهود والنصارى بالكتاب ، وقيل : هم من أهل الكتاب روي ذلك عن علي رضي الله عنه ، قال : كان لهم كتاب يدرسونه ، فأصبحوا وقد أسري على كتابهم ، فرفع من بين أظهرهم ، واتفقوا على تحريم مناكحة المجوس ، وتحريم ذبائحهم إلا شيء يحكى عن أبي ثور أنه أباحه ، فأما اليهود والنصارى فمن كان منهم من نسل بني [ ص: 171 ] إسرائيل ، فأجمعوا على حل مناكحتهم وذبائحهم ، لقول الله سبحانه وتعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) ، فأما من دخل في دينهم من غيرهم من المشركين نظر إن دخلوا فيه قبل النسخ ، وقبل التبديل يقرون بالجزية ، وفي حل مناكحتهم وذبائحهم اختلاف ، فأصح الأقوال حلها ، وإن دخلوا فيه بعد النسخ ، أو بعد التبديل ، فلا يقرون بالجزية ، ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم ، ومن شككنا في أمرهم أنهم دخلوا فيه بعد النسخ ، أو التبديل ، أو قبله ، تؤخذ منهم الجزية ، ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم ، لأن أخذ الجزية لحق الدم ، وأمر الدم إذا دار بين الحقن والإراقة يغلب جانب الحقن ، وأمر البضع والذبيحة إذا تردد بين الحل والتحريم ، تغلب جهة التحريم ، فمن هذه الجملة نصارى العرب من تنوخ ، وبهرا وبني تغلب ، أقرهم عمر رضي الله عنه بالجزية ، وقال : ما يحل لنا ذبائحهم ، وقال علي رضي الله عنه : لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر .

وسئل ابن عباس عن ذبيحة نصارى العرب ، فقال : لا بأس بها .

وقال الزهري : لا بأس بذبيحة نصارى العرب ، فإن سمعته يسمي لغير الله ، فلا تأكل ، فإن لم تسمعه ، فقد أحله الله ، وعلم كفرهم . [ ص: 172 ] .

ولو انتقل يهودي أو نصراني في زماننا إلى دين أهل الأوثان لا يقر بالجزية كما لو دخل وثني في دينهما ، ولو انتقل يهودي إلى نصرانية ، أو نصراني إلى يهودية ، فهل يقر بالجزية ، وهل تحل مناكحته وذبيحته ؟ فعلى قولين أحدهما ، وبه قال أصحاب الرأي : يقر عليه ، ويحل نكاحه وذبيحته ، لأن حكم الدينين واحد ، والثاني : لا يقر عليه لأنه استحدث دينا باطلا بعد ما كان معترفا ببطلانه ، فأشبه المسلم يرتد والعياذ بالله عز وجل ، ولو تهود مجوسي ، أو تمجس يهودي ، لا تحل ذبيحته ولا مناكحته ، وفي التقرير بالجزية هذا الاختلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية