صفحة جزء
26 - كتاب الصيد والذبائح.

باب ما يجوز الصيد به .

قال الله سبحانه وتعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ، والصيد ما كان حلالا ممتنعا ، لا مالك له ، وقال سبحانه وتعالى : ( وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم ) الآية ، قوله : ( من الجوارح ) ، يعني : الصوائد ، واحدتها : جارحة ، لأنها تجرح الصيد ، ولأنها تكسب .

قال الله سبحانه وتعالى : ( ويعلم ما جرحتم ) ، أي : كسبتم .

وقوله : ( مكلبين ) ، والمكلب : الذي يسلط الكلاب على الصيد ، والذي يعلمه ، يقال له : مكلب أيضا ، والكلاب : صاحب الكلاب ، ويقال للصائد بها أيضا : كلاب .

2768 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا موسى بن إسماعيل، نا ثابت بن يزيد، نا عاصم، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت، فأمسك، وقتل، فكل، وإن أكل، فلا [ ص: 192 ] تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها، فأمسكن، وقتلن، فلا تأكل، فإنك لا تدري أيها قتل، وإذا رميت الصيد، فوجدته بعد يوم، أو يومين ليس به إلا أثر سهمك، فكل، إن وقع في الماء، فلا تأكل".

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن الوليد بن شجاع السكوني، عن علي بن مسهر، عن عاصم.

قال الإمام : هذا الحديث يتضمن فوائد من أحكام الصيد منها : أن من أرسل كلبا على صيد ، فأخذه وقتله ، يكون حلالا ، وكذلك جميع الجوارح المعلمة من الفهد والبازي والصقر والعقاب ونحوها .

والشرط أن تكون الجارحة معلمة ، ولا يحل قتيل غير المعلم .

لما روي عن مجالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ما علمت من كلب ، أو باز ثم أرسلته ، وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك " . [ ص: 193 ] .

قال الإمام : والتعليم أن يوجد فيه ثلاث شرائط : إذا أشلي استشلى ، وإذا زجر انزجر ، وإذا أخذ الصيد ، أمسك ولم يأكل ، فإذا فعل ذلك مرارا أو أقلها ثلاثة ، كان معلما يحل بعد ذلك قتيله .

وقوله : " إذا أرسلت كلبك " ، دليل على أن الإرسال من جهة الصائد شرط ، حتى لو خرج الكلب بنفسه ، فأخذ صيدا وقتله ، لا يكون حلالا ، أجمعت الأمة عليه ، لقوله سبحانه وتعالى : ( وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ) ، وفيه بيان أن ذكر اسم الله شرط على الذبيحة حالة ما يذبح ، أو في الصيد حالة ما يرسل الجارحة ، أو السهم ، فلو ترك التسمية ، فاختلف أهل العلم فيه ، فذهب جماعة إلى أنه حلال ، روي ذلك عن ابن عباس ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وقالوا : المراد من ذكر اسم الله عز وجل : ذكر القلب ، وهو أن يكون إرساله الكلب على قصد الاصطياد به ، لا على وجه اللعب .

وذهب قوم إلى أنه لا يحل ، سواء ترك عامدا أو ناسيا ، وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة ، روي ذلك عن ابن سيرين ، والشعبي ، وبه قال أبو ثور ، وداود . [ ص: 194 ] .

وذهب جماعة إلى أنه لو ترك التسمية عامدا ، لا يحل ، وإن تركها ناسيا ، يحل ، وهو قول الثوري ، وأصحاب الرأي ، وإسحاق ، واحتج من شرط التسمية بقوله سبحانه وتعالى : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) ، وتأول من لم يرها شرطا على أن المراد منه ما ذكر عليه اسم غير الله بدليل أنه قال : ( وإنه لفسق ) ، والفسق في ذكر اسم غير الله ، كما قال تعالى في آخر السورة ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ) إلى قوله ( أو فسقا أهل لغير الله به ) ، واحتج من لم يجعل التسمية شرطا بما .

التالي السابق


الخدمات العلمية