صفحة جزء
2769 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، نا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، نا يوسف بن موسى، نا أبو خالد الأحمر، قال: سمعت هشام بن عروة، يحدث، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قالوا: يا رسول الله، إن هنا أقواما حديث عهدهم بشرك، يأتونا بلحمان، لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا؟ قال: "اذكروا أنتم اسم الله وكلوا".

هذا حديث صحيح.

ولو كانت التسمية شرطا للإباحة ، كان الشك في وجودها مانعا من أكلها ، كالشك في أصل الذبح .

واتفقوا على حل ذبيحة أهل الكتاب . [ ص: 195 ] .

وقوله : " إن أكل فلا تأكل " ، فيه دليل على أن الجارحة إذا أكلت من الصيد شيئا ، كان حراما ، واختلف أهل العلم فيه ، فذهب أكثرهم إلى تحريمه ، روي ذلك عن ابن عباس ، وعمر ، وإليه ذهب عطاء ، وهو قول الثوري ، وابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وأصح قولي الشافعي .

ورخص فيه بعض أهل العلم ، وهو قول مالك .

لما روي عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله ، فكل وإن أكل منه " ، ويروى هذا أيضا عن ابن عمر ، وعن سعد بن أبي وقاص : " كل وإن لم تدرك إلا بضعة واحدة " .

وفرق بعض أهل العلم بين الكلب والبازي ، فقال : يحرم ما أكل منه الكلب ، ولا يحرم ما أكل منه البازي ، وهو اختيار المزني ، لأن [ ص: 196 ] الكلب يعلم بترك الطعم ، والبازي يعلم بالطعم ، فأكله لا يحرم الصيد .

فمن ذهب إلى تحليله متمسكا بحديث أبي ثعلبة ، حمل النهي في حديث عدي بن حاتم على معنى التنزيه دون التحريم ، ومن ذهب إلى تحريمه .

فأول قوله في حديث أبي ثعلبة : " فكل وإن أكل " ، يعني : وإن أكل فيما مضى من الزمان إذا لم يأكل في الحال .

واختلف القائلون بتحريمه في الصيود التي اصطادها من قبل مما لم يأكل منها أنها هل تحرم ؟ فمنهم من ذهب إلى أنه إذا أكل من صيد مرة يحرم به كل صيد اصطاده من قبل ، ومنهم من لم يحرم إلا ما أكل منه ، فأما إذا شرب الدم ، فلا يحرم ، قاله عطاء ، والأكثرون .

وقوله : " إذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها وقتلن ، فلا تأكل " ، دليل على أن الكلب إذا خرج بنفسه من غير إرسال صاحب فقتل أنه لا يحل .

وفيه دليل على أنه إذا اشترك في الذبح من تحل ذبيحته ، ومن لا تحل ذبيحته ، مثل أن اشترك مسلم ومجوسي أو مرتد في ذبح شاة ، أو أرسل مسلم ومجوسي كلبا ، أو سهما ، على صيد ، فأصابه وقتله ، أنه يكون حراما ، وإن أرسل كل واحد سهما ، أو كلبا ، فأصابه معا فحرام ، إلا أن تصيب جارحة المسلم المذبح ، وجارحة المجوسي غير المذبح ، فيكون حلالا ، لأن الذبح قد حصل بجارحة المسلم ، فلا يؤثر فعل المجوسي في تحريمه ، ويحل ما اصطاده المسلم بكلب المجوسي ، ولا يحل ما اصطاده المجوسي بكلب المسلم إلا أن يدركه المسلم حيا ، فيذبحه . [ ص: 197 ] .

وفي الحديث دليل على أنه إذا أرسل كلبا ، أو سهما على صيد ، فجرحه ، فغاب عنه ، ثم وجده ميتا ، وليس فيه إلا أثر جرحه أنه يحل .

واختلف أهل العلم فيه ، فذهب أكثرهم إلى أنه حلال إلا أن يجد فيه جراحة غيره ، أو يجده في ماء ، فلا يحل ، لأنه لا يدرى أنه مات من فعله ، أو من فعل غيره ممن لا تحل ذبيحته ، أو غرقه الماء ، فأهلكه ، وللشافعي فيه قولان : أحدهما هذا ، والقول الثاني : أنه حرام ، وقال عبد الله بن عباس : كل ما أصميت ، ودع ما أنميت .

وما أصميت : ما قتلته وأنت تراه ، وما أنميت : ما غاب عنك مقتله .

وقال مالك : إن وجده من يومه ، فحلال ، وإن بات ، فلا .

فأما إذا كان سهمه ، أو كلبه أصاب مذبحه ، فهو حلال ، سواء وجده في ماء ، أو وجد فيه سهم غيره ، لأن الذبح قد تم بإصابة المذبح ، فلا يتغير حكم تحليله بما يحدث من بعد .

ويروى في حديث عدي : " فإن أمسك عليك ، فأدركته حيا ، فاذبحه " ، وهذا قول أهل العلم : أن الكلب إذا أخذ صيدا ، أو رمي إليه ، فأدركه صاحبه حيا ، لا يحل ما لم يذبحه بقطع الحلق واللبة ، فإن فرط في ذبحه لتعذر أداة ، أو غيره حتى مات ، فلا يحل ، وكذلك كل ما جرحه السبع من الصيود ، فأدركه والحياة فيه مستقرة فذبحه ، يحل وإن صار بجرح السبع إلى حالة المذبوح ، فلا يحل ، قال الله [ ص: 198 ] سبحانه وتعالى : ( وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ) ، وأصل الذكاة : تمام الشيء وبلوغه منتهاه ، يقال : ذكيت النار : إذا أتممت إشعالها .

التالي السابق


الخدمات العلمية