صفحة جزء
2774 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، نا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا محمد بن أبي بكر، نا فضيل بن سليمان، نا موسى، حدثني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم "لقي زيد بن عمرو [ ص: 205 ] بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها"، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه.

هذا حديث صحيح.

قال الإمام : قد أباح الله تعالى ذبائح أهل الكتاب ، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ذبائحهم حلال ، وإن ذبحوا باسم المسيح ، أو بغير اسم الله ، لأن الله سبحانه وتعالى أباحه على الإطلاق ، وذهب جماعة إلى أنهم إذا ذبحوا باسم المسيح ، أو لغير اسم الله ، لم يحل ، وكره بعضهم أيضا ما يذبحون للكنائس والبيع ، وإنما أحلوا ما ذبحوا لأقواتهم ، قال الزهري : " فإن سمعته يسمي لغير الله ، فلا تأكل ، وإن لم تسمع فقد أحله الله ، وعلم كفرهم " ، وروي عن علي نحوه ، وكره بعضهم أن [ ص: 206 ] يولي المسلم المشرك ذبح ذبيحته ، وإنما أحل منها ما ذبحوه من ملكهم ، لأن الله سبحانه وتعالى قال : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) .

وحكي عن مالك أنه كان لا يرى أن تؤكل الشحوم من ذبائح اليهود ، لأنها محرمة عليهم .

قال الخطابي : وأحسبه ذهب إلى قوله عز وجل : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) ، وليست الشحوم من طعامهم المباح لهم ، وحديث عبد الله بن مغفل حجة على إباحته ، لأنه روي أنه قال : " أصبت جرابا من شحم يوم خيبر ، فالتزمته ، فقلت : لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا ، فالتفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما " .

فأما ذبيحة أهل الشرك والمجوس ، فحرام .

وحديث عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل [ ص: 207 ] بأسفل بلدح ، قال الخطابي : امتناعه من أكل ما في السفرة إنما كان خوفا من أن يكون ذلك مما ذبح لأصنامهم ، فأما ما ذبحوه لمأكلتهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتنزه عنه ، لأنه كان بين ظهرانيهم ، ويتناول أطعمتهم ، ولم يرو أنه تنزه عن شيء من ذلك قبل نزول تحريم ذبائح الشرك إلا ما كان من اجتنابه الميتات طبعا ، أو تقذرا ، وما ذبح لأصنامهم لئلا يكون معظما لغير الله عصمة من الله عز وجل ، ولم يزل عليه السلام على شريعة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يتناول ما لا يحل ولما لم يكن فيما ذبحوه لمأكلتهم معنى الميتة ، ولا معنى ما ذبح لأصنامهم ، ولم ينزل عليه تحريمه ، كان الظاهر منه الإباحة كأمر النكاح ، فإنه أنكح ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع وهو مشرك ، وبقيت بعد الهجرة بمكة مدة ، ثم نزل تحريم إنكاحهم بعد ذلك ، فكذلك أمر أطعمتهم . [ ص: 208 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية