صفحة جزء
2818 - أخبرنا محمد بن الحسن الميربندكشائي ، أنا أبو سهل السجزي ، أخبرنا أبو سليمان الخطابي ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود السجستاني ، نا مسدد ، نا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أقروا الطير على مكناتها " ، قالت : وسمعته ، يقول : " عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، ولا يضركم ذكرانا كن ، أو إناثا " . [ ص: 266 ] .

قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح .

قوله : " أقروا الطير على مكناتها " ، قال أبو زياد الكلابي : لا يعرف للطير مكنات ، وإنما هي الوكنات ، وهي موضع عش الطائر ، وقال أبو عبيد : المكنات بيض الضباب ، واحدها : مكنة ، فجعل للطير على وجه الاستعارة ، وقيل على مكناتها ، أي : أمكنتها ، وقال شمر : هي جمع المكنة وهي التمكن ، وهذا مثل التبعة للتتبع ، والطلبة للتطلب .

ثم اختلفوا في المراد من إقرار الطير على مكناتها ، فقال بعضهم : معناه : كراهية صيد الطير بالليل ، وقيل : فيه النهي عن زجر الطير ، معناه : أقروها على مواضعها التي جعلها الله بها من أنها لا تضر ولا تنفع .

ويحكى عن الشافعي رضي الله عنه أنه حمله على النهي عن زجر الطير ، وذلك أن العرب كانت تولع بالعيافة ، وزجر الطير ، فكان الواحد منهم إذا خرج من بيته لسفر أو حاجة ، نظر هل يرى طائرا يطير ، فإن لم ير ، هيج طائرا عن مكانه ، فإن طار من جانب يساره إلى يمينه ، سماه سائحا وتفاءل به ، ومضى لأمره ، وإن طار من جانب يمينه إلى يساره ، سماه بارحا وتطير به ، ولم يمض لأمره ، لأنه في هذه الصورة يكون يسار الطائر إليه ، " فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقروا الطير على أمكنتها ، ولا يطيروها ولا يزجروها " . [ ص: 267 ] .

وقوله في الحديث : " ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا " ، أراد شاة العقيقة يجوز ذكرا كان أو أنثى ، ويختص بما يجوز أضحية ، وروي عن أم كرز ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " ، قال أحمد بن حنبل : مكافئتان مستويتان ، أو مقاربتان ، يريد ألا تكون إحداهما مما يجوز أضحية ، والأخرى دونها في السن .

وقال مالك : ليست العقيقة بواجبة ، ولكن يستحب العمل بها ، فمن عق عن ولده ، فإنها بمنزلة النسك والضحايا ، لا يجوز فيها عرجاء ، ولا مكسورة ، ولا عجفاء ، ولا مريضة ، ولا عوراء ، ولا يباع من لحمها شيء ، ولا من جلدها ، ولا يكسر عظامها ، ويأكل أهلها من لحمها ، ويتصدقون ، ولا يمس الصبي بشيء من دمها .

وقال عطاء : العقيقة تقطع أعضاؤها ، وتطبخ بماء وملح .

وقال الحسن ، وابن سيرين : الأضحية تجزئ من العقيقة ، وسئل عن العقيقة ، فقال : هي مثل الأضحية ، كل منها وأطعم .

وقال محمد بن إبراهيم بن الحارث [ ص: 268 ] التيمي : سمعت أبي يستحب العقيقة ولو بعصفور .

وعن ربيعة أنه كان يستحب أن يعق عن الصبي ولو بعصفور ، أو دجاجة ، وروي في العقيقة الإبل ، والبقر ، والغنم .

وقد روي في وقت ذبح العقيقة عن الحسن ، عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ، ويسمى ، ويحلق رأسه " ، وقد تكلم الناس في معنى قوله : " مرتهن بعقيقته " ، أجودها ما قال أحمد بن حنبل : أن معناه أنه إن مات طفلا ولم يعق عنه لم يشفع في والديه ، ويروى عن قتادة أيضا أنه يحرم شفاعتهم .

وقيل : " مرتهن بعقيقته " ، أي : بأذى شعره ، وهو معنى قوله : " أميطوا عنه الأذى " .

واستحب أهل العلم ذبح العقيقة يوم السابع من ولادة المولود ، فإن لم يتهيأ ، فيوم الرابع عشر ، فإن لم يتهيأ فيوم إحدى وعشرين ، ثم بعد الذبح يحلق رأسه .

ويروى عن عائشة : " شاتان عن الغلام ، وشاة عن الجارية تطبخ جدولا لا يكسر لها عظم ، فتأكل وتطعم ، وتتصدق ويكون ذلك في اليوم السابع ، فإن لم . يكن ، ففي أربع عشرة ، فإن لم تفعل ، ففي إحدى وعشرين " .

قوله : " جدولا " ، أي : أعضاء ، والجدل : العضو بفتح الجيم . [ ص: 269 ] .

واستحب غير واحد من أهل العلم أن لا يسمى الصبي قبل السابعة ، روي ذلك عن الحسن ، وبه قال مالك ، ويروى في الحديث : " ويدمى " ، مكان قوله : " ويسمى " ، وروي عن الحسن ، أنه قال : يطلى رأس المولود بدم العقيقة ، وكان قتادة يصف الدم ، فيقول : إذا ذبحت العقيقة تؤخذ صوفة منها ، فيستقبل بها أوداج الذبيحة ، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى إذا سال شبه الخيط ، غسل رأسه ثم حلق بعد .

وكره أكثر أهل العلم لطخ رأسه بدم العقيقة ، وقالوا : كان ذلك من عمل الجاهلية ، وضعفوا رواية من رواه " ويدمى " ، وقالوا : إنما هي : " ويسمى " ، ويروى لطخ الرأس بالخلوق والزعفران مكان الدم .

قال الإمام : وصح عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولد لي الليلة غلام ، فسميته باسم أبي إبراهيم " ، ففيه تعجيل تسمية المولود حالة ما يولد . [ ص: 270 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية