صفحة جزء
باب صفة النار وأهلها نعوذ بالله منها.

قال الله سبحانه وتعالى: ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) ، أي: سكن لهبها، ومثله خمدت، فإذا بطلت، يقال: همدت.

وقال سبحانه: ( وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) .

وقال عز وجل ( إنا أعتدنا للظالمين نارا ) .

وقال جل ذكره: ( لابثين فيها أحقابا ) ، جمع حقب، يقال: الحقب ثمانون سنة.

وقال جل ذكره: ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) ، قيل: البرد: الراحة، تقول العرب: أنا أتبرد بذلك، أي: أستريح، وقيل: البرد: النوم، تقول العرب: منع البرد، أي: النوم.

وقوله عز وجل: ( إلا حميما وغساقا ) ، قيل: الغساق: ما يسيل من أعينهم من دموعهم يسقونه مع الحميم، يقال: غسقت عينه: إذا سالت تغسق، وقيل: هو ما يغسق من جلود أهل النار من الصديد، ومن قرأ بالتخفيف، فهو [ ص: 235 ] البارد الذي يحرق ببرده، وقال بعضهم: إنما قيل لليل: غاسق، لأنه أبرد من النهار، وقيل غساقا، أي: منتنا، كما جاء في الحديث: " لو أن دلوا من الغساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا " .

وقوله سبحانه وتعالى: ( إلا من غسلين ) ، هو صديد أهل النار، وما ينغسل ويسيل من أبدانهم.

وقوله سبحانه وتعالى: ( إنها ترمي بشرر كالقصر ) ، قيل: كالقصر من قصور الأعراب، قال ابن عباس : كالقصر بفتح الصاد، وفسر أنها كأعناق الإبل، الواحدة قصرة، وقيل: القصر: أصول الشجر، وقيل: كأعناق النخل.

وقوله سبحانه وتعالى: ( تلفح وجوههم النار ) ، أي: تضرب، واللفح أعظم تأثيرا من النفح، وهو قوله سبحانه وتعالى: ( ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ) ، أي: أدنى شيء منه.

وقال جل ذكره: ( في سموم وحميم ) ، أي: ماء حار، كما قال عز وجل: ( وسقوا [ ص: 236 ] ماء حميما ) ، ( وظل من يحموم ) ، اليحموم: الشديد السواد، قال مجاهد : هو دخان جهنم.

وقال سبحانه وتعالى: ( نزاعة للشوى ) ، قيل: الشوى: الأطراف: اليدان والرجلان والرأس، يقال لجلود الناس: الشوى الواحد الشواة، ولجلدة الرأس: شواة، ولأطراف الإنسان: شواة.

وقوله سبحانه وتعالى: ( إنها لإحدى الكبر ) ، أي: إحدى العظائم وهي النار.

قوله عز وجل: ( تدعو من أدبر وتولى ) ، قيل: تدعو، أي: تعذب.

قال أعرابي لآخر: دعاك الله، أي: عذبك الله، وقيل: تدعو، أي: تنادي.

قيل في التفسير: إن جهنم تدعو الكافر باسمه، وقيل: دعوتها إياهم ما تفعل بهم من الأفاعيل، تقول العرب: دعانا غيث وقع بناحية كذا، أي: كان ذلك سببا لانتجاعنا إياه.

وقوله سبحانه وتعالى: ( نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ) ، قيل: معناه من شاء أن يتذكر [ ص: 237 ] بالنار من جهنم فيتعظ.

قوله سبحانه وتعالى: ( سندع الزبانية ) ، يعني: الشداد الغلاظ من الملائكة، الواحد زبنية.

وقوله سبحانه وتعالى: ( لهم فيها زفير وشهيق ) ، الزفير من أصوات المكروبين، والأصل فيه صوت الحمار، فالزفير نهيقه، والشهيق آخر نهيقه، وقيل: الزفير من الصدر، والشهيق من الحلق.

قوله سبحانه وتعالى: ( تغيظا وزفيرا ) ، أي: صوت تغيظ، وغليان تغيظ، وقوله عز وجل: ( تكاد تميز من الغيظ ) ، أي: تنشق غيظا على الكفار، وقيل: من شدة الحر، يقال: تغيظت الهاجرة: إذا اشتد حرها.

وقال الله سبحانه وتعالى: ( إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة ) ، أي: لا يسوغ في الحلق، يعني الزقوم، وقيل: هو السريع، كما قال: ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) ، وهو نوع من الشوك، يقال له: الشبرق.

وقال جل ذكره: ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) ، قيل: [ ص: 238 ] هي حيات لها رؤوس منكرة وأعراف، وقيل: أريد بها الشياطين المعروفة، شبه بها لقبحها، وكل شيء يستقبح، فإنه يشبه بالشياطين، فيقال: كأن وجهه وجه شيطان، وكأن رأسه رأس شيطان، وإنها وإن لم يرها الآدميون، فهو مستشنع عندهم.

وقال سبحانه وتعالى: ( فشاربون شرب الهيم ) ، الهيم: الإبل التي أصابها الهيام، وهو داء يصيبها من العطش، فلا تروى من الماء حتى تموت، ( هذا نزلهم ) ، أي: رزقهم وطعامهم، ( يوم الدين ) .

وقال بعض المفسرين: الهيم: الرمال التي لا يرويها ماء.

وقال سبحانه وتعالى: ( إن عذابها كان غراما ) ، الغرام: ما كان لازما، يقال: فلان مغرم بكذا: أي لازم له مولع به، وقيل: الغرام: أشد العذاب.

وقال الله سبحانه وتعالى: ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) ، قيل: أي مشاة عطاشا كالإبل ترد الماء، وقيل الورد: القوم الذين يردون الماء، فسمي العطاش وردا لطلبهم ورود الماء. [ ص: 239 ] .

4398 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " نار بني آدم التي توقدون، جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " .

قالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية.

قال: " فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " .

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك ، وأخرجه مسلم ، عن قتيبة ، عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد .

التالي السابق


الخدمات العلمية