صفحة جزء
78 - قال الإمام الحسين بن مسعود: أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد بن علي يعرف بالصيرفي، نا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد المخلدي، أنا أحمد بن محمد بن أبي حمزة البلخي، نا موسى بن محمد بن الحكم الشطوي، حدثنا حفص بن غياث، عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم جنازة صبي من صبيان الأنصار، فقالت عائشة : طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك؟ إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها أهلا، وهم في أصلاب آبائهم".

هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، [ ص: 142 ] عن وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة .

قال الشيخ، رحمه الله: الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد، خيرها وشرها، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، قال الله سبحانه وتعالى: ( والله خلقكم وما تعملون ) ، وقال الله عز وجل: ( قل الله خالق كل شيء ) ، وقال عز وجل: ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) .

فالإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، كلها بقضاء الله وقدره، وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة، ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية، وأوعد عليهما العقاب، قال الله سبحانه وتعالى: [ ص: 143 ] ( ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) ، وقال الله سبحانه وتعالى: ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) ، ( ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ) ، وقال عز وجل: ( ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ) .

قال ابن عباس : الحرج: موضع الشجر الملتف لا تصل الراعية إليه، فقلب الكافر لا يصل إليه الحكمة، وكل ضيق حرج وحرج.

وقال الله سبحانه وتعالى: ( ختم الله على قلوبهم ) أي طبع عليها، فلا تعقل ولا تعي خيرا، ومعنى الختم: التغطية على الشيء، والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء.

وقال جل ذكره: ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) ، قيل: المستور ههنا بمعنى الساتر، [ ص: 144 ] والحجاب: الطبع.

وقال الله سبحانه وتعالى: ( ولا يرضى لعباده الكفر ) .

قال رحمه الله: فالعبد له كسب، وكسبه مخلوق يخلقه الله حالة ما يكسب، والقدر سر من أسرار الله لم يطلع عليه ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، لا يجوز الخوض فيه، والبحث عنه بطريق العقل، بل يعتقد أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق، فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلا، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلا.

قال الله سبحانه وتعالى: ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) ، وقال الله سبحانه وتعالى: ( أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) ، قال سعيد بن جبير : ما قدر لهم من الخير والشر، ومن الشقوة والسعادة.

وقال الله تعالى: ( ما أنتم عليه بفاتنين ) قال مجاهد : بمضلين ( إلا من هو صال الجحيم ) إلا من كتب الله أنه يصلى الجحيم.

وقال الله تعالى: ( كما بدأكم تعودون ) .

قال سعيد بن جبير : كما كتب عليكم تكونون ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) .

وقال سبحانه وتعالى: ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) .

وقيل في قوله سبحانه وتعالى: ( وهديناه النجدين ) أي: طريق الخير، وطريق الشر.

وقال عمر بن عبد العزيز: لو أراد الله أن لا يعصى لم يخلق إبليس، ويروى هذا مرفوعا. [ ص: 145 ] .

وقال الله سبحانه وتعالى: ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) .

فنسأل الله التوفيق لطيب المكتسب، ونعوذ به من سوء المنقلب بفضله.

قال طاوس اليماني: اجتنبوا الكلام في القدر، فإن المتكلمين فيه يقولون بغير علم.

قال سفيان الثوري : ما أحب الله عبدا فأبغضه، وما أبغضه فأحبه، وإن الرجل ليعبد الأوثان، وهو عند الله سعيد. [ ص: 146 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية