إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

صفحة جزء
14 - باب قبض روح المؤمن والكافر

[ 1850 ] عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير - قال عمرو بن ثابت: وقع، ولم يقله أبو عوانة - فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء، ويخفض بصره وينظر إلى الأرض، ثم قال: أعوذ بالله من عذاب القبر - قالها مرارا - ثم قال: إن المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك، فجلس عند رأسه فيقول: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج نفسه وتسيل كما يسيل قطر السقاء - قال عمرو في حديثه، ولم يقله أبو عوانة : وإن كنتم ترون غير ذلك - وتنزل ملائكة من الجنة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم أكفان من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فيجلسون منه مد البصر، فإذا قبضها الملك لم يدعوها في يده طرفة عين، فذلك قوله تعالى: ( توفته رسلنا وهم لا يفرطون ) قال: فتخرج نفسه كأطيب ريح وجدت، فتعرج به الملائكة فلا [ ص: 437 ] يأتون على جند فيما بين السماء والأرض إلا قالوا: ما هذا الروح؟ فيقال: فلان - بأحسن أسمائه - حتى ينتهوا به إلى أبواب سماء الدنيا فيفتح له، ويشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقال: اكتبوا كتابه في عليين، وما أدراك ما عليون، كتاب مرقوم، يشهده المقربون. فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: ردوه إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى. قال: فيرد إلى الأرض، وتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينهرانه ويجلسانه فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام. فيقولان: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله. فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: جاءنا بالبينات من ربنا فآمنت به وصدقته. وذلك قوله - عز وجل - : (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) وينادي مناد من السماء: قد صدق عبدي، فألبسوه من الجنة، وافرشوه من الجنة وأروه منزله منها. فيلبس من الجنة، ويفرش منها ويرى منزله منها ويفسح له مد بصره، ويمثل له عمله في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب، فيقول: أبشر بما أعد الله لك، أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم. فيقول: بشرك الله بخير، من أنت؟ فوجهك الوجه الحسن الذي جاء بالخير. فيقول: هذا يومك الذي كنت توعد - أو الأمر الذي كنت توعد - أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله، بطيئا عن معصيته، فجزاك الله خيرا. فيقول: يا رب، أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي.

قال: وإن كان فاجرا فكان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا، جاءه ملك فجلس عند رأسه فقال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، أبشري بسخط من الله وغضبه. [ ص: 438 ]

فتنزل ملائكة سود الوجوه معهم مسوح، فإذا قبضها الملك قاموا فلم يدعوها في يده طرفة عين، فتفرق في جسده، فيستخرجها، فتقطع معها العروق والعصب كالسفود الكثير الشعب في الصوف المبلول، فتؤخذ من الملك، فتخرج كأنتن ريح وجدت، فلا تمر على جند فيما بين السماء والأرض إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون: فلان - بأسوأ أسمائه - حتى ينتهون به إلى سماء الدنيا فلا تفتح له فيقول: ردوه إلى الأرض، إني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى. قال: فيرمى به من السماء. وتلا هذه الآية: ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) قال: فيعاد إلى الأرض وتعاد فيه روحه، ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينهرانه ويجلسانه فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدري. فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون ذلك. فيقولان: لا دريت. فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب، فيقول: أبشر بعذاب الله وسخطه. فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي جاء بالشر. فيقول: أنا عملك الخبيث، والله ما علمتك إلا كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا إلى معصيته.

قال عمرو في حديثه عن المنهال، عن زاذان، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "فيقيض له ملك أصم أبكم معه مرزبة لو ضرب بها جبل صار ترابا - أو قال: رميما - فيضربه ضربة يسمعها الخلائق إلا الثقلين، ثم تعاد فيه الروح فيضربه ضربة أخرى".


رواه أبو داود الطيالسي بسند الصحيح، عن عمرو بن ثابت به.

وعن أبي عوانة، عن الأعمش ، عن المنهال به.

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع، عن أبي معاوية ، عن الأعمش . [ ص: 439 ]

ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه باختصار.

التالي السابق


الخدمات العلمية