إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

صفحة جزء
[ 2046 ] وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بابي يوما قط إلا قد قال الكلمة تقر بها عيني، قالت: فمر يوما فلم [ ص: 531 ] يكلمني، ومر من الغد فلم يكلمني. قالت: ومر من الغد فلم يكلمني قلت: قد وجد علي النبي صلى الله عليه وسلم في شيء قالت: فعصبت رأسي وصفرت وجهي وألقيت وسادة قبالة باب الدار فجنحت عليها. قالت: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلي فقال: ما لك يا عائشة ؟ قالت: قلت: يا رسول الله، اشتكيت وصدعت. قال: يقول: بل أنا وارأساه. قالت: فما لبث إلا قليلا حتى أتيت به يحمل في كساء. قالت: فمرضته ولم أمرض مريضا قط، ولا رأيت ميتا قط. قالت: فرفع رأسه فأخذته وأسندته إلى صدري. قالت: فدخل أسامة بن زيد وبيده سواك أراك رطب. قالت: فلحظ إليه. قالت: فظننت أنه يريده، فأخذته فنكثته بفي فدفعته إليه. قالت: فأخذه وأهواه إلى فيه. قالت: فخفقت يده فسقط من يده، ثم أقبل بوجهه إلي حتى إذا كان فاه في ثغرة نحري سال من فيه نقطة باردة اقشعر منها جلدي، وثار ريح المسك في وجهي، فمال رأسه، فظننت أنه غشي عليه. قالت: فأخذته فنومته على الفراش وغطيت وجهه. قالت: فدخل أبي أبو بكر فقال: كيف ترين؟ فقلت: غشي عليه. فدنا منه فكشف عن وجهه فقال: يا غشياه، ما أكون هذا الغشي ثم كشف عن وجهه فعرف الموت فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم بكى. فقلت: في سبيل الله انقطاع الوحي ودخول جبريل بيتي. ثم وضع يديه، على صدغيه، ووضع فاه على جبهته، فبكى حتى سالت دموعه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم ثم غطى وجهه وخرج إلى الناس وهو يبكي، فقال: يا معشر المسلمين، هل عند أحد منكم عهد بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: لا والله. ثم أقبل على عمر، فقال: يا عمر أعندك عهد بوفاة رسول الله؟ قال: لا. قال: والذي لا إله غيره لقد ذاق طعم الموت. وقد قال لهم: إني ميت وإنكم ميتون. فضج الناس وبكوا بكاء شديدا، ثم خلوا بينه وبين أهل بيته، فغسله علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد يصب عليه الماء. فقال علي: ما نسيت منه شيئا لم أغسله إلا قلب لي حتى أراه عليه، فأغسله من غير أن أرى [ ص: 532 ] أحدا حتى فرغت منه. ثم كفنوه ببرد يماني أخضر وريطتين قد نيل منهما ثم غسلا، ثم أضجع على السرير، ثم أذنوا للناس فدخلوا عليه فوجا فوجا يصلون عليه بغير إمام حتى لم يبق أحد بالمدينة حر ولا عبد إلا صلى عليه، ثم تشاجروا في دفنه أين يدفن؟ فقال بعضهم: عند العود الذي كان يمسك بيده وتحت منبره وقال بعضهم: بالبقيع حيث كان يدفن موتاه. فقالوا: لا نفعل ذلك، إذا لا يزال عبد أحدكم ووليدته قد غضب عليه مولاه فيلوذ بقبره، فتكون سنة. فاستقام رأيهم على أن يدفن في بيته تحت فراشه حيث قبض روحه. فلما مات أبو بكر دفن معه، فلما حضر عمر بن الخطاب الموت أوصى قال: إذا أنا مت فاحملوني إلى باب بيت عائشة فقولوا لها: هذا عمر بن الخطاب يقرئك السلام ويقول: أدخل أو أخرج؟ قال: فسكتت ساعة، ثم قالت: أدخلوه فادفنوه معه، أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره. قالت: فلما دفن عمر أخذت الجلباب فتجلببت به، قال: فقيل لها: ما لك وللجلباب؟! قالت: كان هذا زوجي وهذا أبي فلما دفن عمر تجلببت".

رواه أبو يعلى الموصلي، وأحمد بن حنبل، ورواته ثقات.

التالي السابق


الخدمات العلمية