إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

صفحة جزء
[ 7647 ] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فكان أكثر خطبته حديثا يحدثناه عن الدجال فكان من قوله أن قال: يا أيها الناس، إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذريته أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيا بعد نوح إلا حذره أمته، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم، فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فإنه يخرج من محلة بين العراق والشام، فيعيث يمينا ويعيث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا، فإنه يبدأ فيقول: أنا نبي، ولا نبي بعدي. ثم يثني فيقول: أنا ربكم. ولن تروا ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب، وإن من فتنته: أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وبعثت لك أمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان على صورة أبيه وعلى صورة أمه، فيقولان له: يا بني، اتبعه فإنه ربك. ومن فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك إبلك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له الشيطان على صورة إبله عليها وسومها، وإن من فتنته أن يتناول الشمس فيشقها، ويتناول الطير في الهواء وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فينشرها بالمنشار حتى يلقيها، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربا غيري. ثم يبعثه الله فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله الدجال، والله ما كنت قط أشد بصيرة مني الآن، وإن [ ص: 130 ] من فتنته أن يركب حمارا ما بين أذنيه أربعين ذراعا، وأنه يصيح ثلاث صيحات يسمعهن أهل المشرق والمغرب، وأنه لا يبقى سهل إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، لا يأتيها من نقب من نقابها إلا لقيته الملائكة صلتا بالسيوف فينزل عند الضريب الأحمر عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، تنفي المدينة الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، يدعى ذلك اليوم يوم الخلاص. فقالت أم شريك ابنة أبي العكر: يا رسول الله، فأين الناس؟ قال: هم يومئذ قليل، وجلهم يومئذ بيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فيسير حتى ينزل بها فيحاصرهم، فبينما هو يحاصرهم إذ نزل عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - حين يدخل ذاك الإمام في صلاة الغداة، فإذا نزل عيسى عرفه، فيرجع يمشي القهقرى ليقدم عيسى - عليه الصلاة والسلام - فيضع يده بين كتفيه، ثم يقول: صل فإنما لك أقيمت فيصلي عيسى وراءه، فإذا سلم ذلك الإمام، قال عيسى: افتحوا الباب، ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه ذاب كما يذوب الملح في الماء، ثم ولى هاربا، يقول عيسى - عليه السلام - : إن لي فيك ضربة لن تفتني، فيدركه عيسى عند باب لد الشرقي فيقتله، ويهزم الله يهوده ويقتلون أشد القتل، فلا تبقى دابة ولا شجرة ولا حجر يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء فيقول: يا عبد الله المسلم هنا يهودي فتعال فاقتله. إلا الغرقد فإنه لا ينطق، ويقال: إنه من شجرهم، فيكون عيسى ابن مريم في أمته حكما عدلا وإماما مقسطا، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا على بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وينزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحنش فلا يضره، وتفر الوليدة إلى الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، يملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد غير الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نبتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف فيشبعهم، وحتى يجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الفرس بالدريهمات، ويكون الثور بكذا وكذا من المال. فقيل: يا رسول الله، ما يرخص الفرس؟ قال: لا تركب لحرب أبدا. قيل: فما يغلي الثور؟ قال: تحرث الأرض كلها، وإن من فتنته [ ص: 131 ] أنه يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت، وإن من فتنته أنه يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمر فتمطره، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح عليهم مواشيهم من يومهم ذلك أعظم ما كانت وأسمنها وأمده خواصر وأدره ضروعا، وإن أيامه أربعين سنة: سنة كنصف سنة، وسنة كثلث سنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، وآخر أيامه كالشررة، فيصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي. قيل: يا رسول الله فكيف نصلي في هذه الأيام القصار؟ قال: تقدرون فيها الصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال ثم تصلون، وإن قبل خروجه سنوات شدادا يصيب الناس منهم جوع شديد، يأمر الله السماء أن تحبس ثلث قطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نبتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نبتها، ويأمر الله - عز وجل - السماء في السنة الثالثة فلا تمطر قطرة، ويأمر الأرض فلا تنبت خضرا، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت. قيل: يا رسول الله، فما يعيش الناسك إذا كان ذلك؟ قال: التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير يجري ذلك عنهم مجزى الطعام. فكان أبو أمامة يحدث هذا الحديث ثم يقول: وما نسيت أكثر، وإن من فتنته أن معه جنة ونار، فمن ابتلي ببلواه فليقرأ فواتح سورة الكهف فتكون عليه بردا وسلاما، ومن لقيه منكم فليتفل في وجهه، وإن من فتنته أنه يأمر السماء أن تقطر فتقطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت ".

رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر والحاكم وصححه، ورواه أبو داود في سننه وابن ماجه مختصرا.

التالي السابق


الخدمات العلمية