صفحة جزء
باب الدليل على أن الطاعات كلها إيمان .

قال الله عز وجل في وصف المؤمنين : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) إلى قوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) [ ص: 100 ]

فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال ، فدل ذلك على أنها من جوامع الإيمان " قال الحليمي رحمه الله تعالى : " إذا ثبت أن المؤمنين الموصوفين في هذه الآية إنما استوجبوا اسم المؤمنين حقا لمكان الأعمال التي وصفهم الله تعالى بها ، ولم تكن الأعمال المتعبد بها هذه وحدها صح أن المراد بذكرها هي ، وما في معناها من الأعمال المفروضة ، أو المندوب إليها ، فالصلاة إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأبدان خاصة ، والإنفاق مما رزق الله إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأموال ، ووجل القلب إشارة الاستقامة من كل وجه ، ويدخل فيها إقامة الطاعات والانزجار عن المعاصي .

قال : " والآية فيمن إذا ذكر الله وجل قلبه ، وليس ارتكاب المعاصي ومخالفة الأوامر من أمارات الوجل ، والآية فيمن إذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا ، وليس التخلف عن الفرائض ، والقعود عن الواجبات اللوازم من زيادة الإيمان بسبيل فصح أن الذين نفينا أن يكونوا مؤمنين حقا ، وأوجبنا أن يكونوا ناقصي الإيمان غير داخلين في الآية . قال الله عز وجل : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) فقابل بين ما حببه إلينا ، وبين ما كره إلينا ، ثم أفرد الإيمان بالذكر فيما حبب ، وقابله بالكفر والفسوق فيما كره ، فدل ذلك على أن للإيمان ضدين ، أو أن من الإيمان ما ينقضه الكفر ، ومن الإيمان ما ينقضه الفسوق وفي ذلك ما أبان أن الطاعات كلها إيمان ، ولولا ذلك لم يكن الفسوق ترك الإيمان والله أعلم " قال الإمام أحمد : " وفصل بين الفسوق والعصيان ، وفي ذلك دلالة على أن من المعاصي ما لا يفسق به ، وإنما يفسق بارتكاب ما يكون منها من الكبائر ، أو الإصرار على ما يكون منها من الصغائر ، واجتناب جميع ذلك من الإيمان ، وبالله التوفيق .

وقال الله تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) [ ص: 101 ]

وأجمع المفسرون على أنه أراد به صلاتكم إلى بيت المقدس ، فثبت أن الصلاة إيمان ، وإذا ثبت ذلك فكل طاعة إيمان إذ لا فارق يفرق بينهما " قال الإمام أحمد : وقد روينا في الحديث الثابت ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قدم المدينة قبل بيت المقدس ستة عشر ، أو سبعة عشر شهرا ، ثم حولت إلى البيت ، وأنه مات قبل أن تحول رجال ، وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله عز وجل : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) .

[ 11 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو النضر الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، حدثنا النفيلي ، حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق فذكره [ ص: 102 ]

أخرجاه في الصحيح من حديث زهير بن معاوية ، " وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور من الإيمان وذلك فيما :

التالي السابق


الخدمات العلمية