صفحة جزء
[ 353 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا إبراهيم بن عصمة بن إبراهيم ، حدثنا السري بن خزيمة ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا وهيب ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين اثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا ، وتمسي معهم حيث أمسوا " .

رواه البخاري ، عن معلى بن أسد .

وأخرجه مسلم من وجه آخر ، عن وهيب .

قال الحليمي رحمه الله : " فيحتمل أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس على ثلاث طرائق " أشار إلى الأبرار ، والمخلطين والكفار فالأبرار الراغبون إلى الله جل ثناؤه فيما أعد لهم من ثواب ، والراهبين الذين هم بين الخوف ، والرجاء فأما الأبرار : فإنهم يؤتون بالنجائب كما روي في حديث علي ، وأما المخلطون فهم الذين أريدوا في هذا الحديث ، أنهم يحملون على الأبعرة والأشبه أنها لا تكون من نجائب الجنة ؛ لأن من هؤلاء من لا يغفر له ذنوبه حتى يعاقب بها بعض العقوبة ، ومن أكرم بشيء من نعيم الجنة ، لم يهن بعده بالنار " [ ص: 547 ]

قال البيهقي رحمه الله : وروى علي بن زيد بن جدعان وليس بالقوي ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : ركبانا ، ومشاة ، وعلى وجوههم " . فقال رجل : يا رسول الله ، ويمشون على وجوههم ؟ قال : " الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم " .

وهذا الأصح فكأن بعض المخلطين من المؤمنين يكون راكبا كما جاء في الحديث الأول ، وبعضهم يكون ماشيا كما جاء في الحديث ، أو يركب في بعض الطريق ويمشي في بعض .

وأما المشاة على وجوههم فهم الكفار ويحتمل أن يكون بعضهم أعتى من بعض فهؤلاء يحشرون على وجوههم ، والذين هم أتباع يمشون على أقدامهم فإذا سيقوا من موقف الحساب إلى جهنم سحبوا على وجوههم قال الله عز وجل : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ) .

وقال : ( الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ) .

ويكونون في تلك الحالة عميا وبكما وصما ، قال الله تعالى : ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم ) .

[ ص: 548 ] وقبل ذلك يكونوا كاملي الحواس والجوارح لقوله تعالى : ( يتعارفون بينهم ) .

وقوله : ( يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ) .

وسائر ما أخبر الله عز وجل عنهم وأقوالهم ونظرهم وسمعهم ، فإذا دخلوا النار ردت إليهم حواسهم ليشاهدوا النار ، وما أعد لهم فيها من العذاب قال الله تعالى : ( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا : بلى قد جاءنا نذير فكذبنا ) .

وسائر ما أخبر الله عنهم من أقوالهم وسمعهم ونظرهم ، فإذا نودوا بالخلود سلبوا أسماعهم قال الله عز وجل : ( لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون ) .

وقد قيل إنهم يسلبون أيضا الكلام لقوله تعالى : ( اخسؤوا فيها ولا تكلمون ) " .

وروينا عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الناس فوعظهم ، فقال : " أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ، ثم قرأ : ( كما بدأنا أول خلق نعيده ) .

وأن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام " . [ ص: 549 ]

وعن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا " . فقلت : يا رسول الله ، الرجال من النساء ؟ فقال : " يا عائشة ، الأمر يومئذ أشد من ذلك " .

والذي يدل عليه ما قدمنا ذكره أن ذلك يكون حال خروجهم من قبورهم ، ثم يكرم المتقون ، ومن شاء من المخلطين المؤمنين بالكسوة والركوب كما قدمنا ذكره والله أعلم " .

والذي روي في حديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يبعث الميت في ثيابه التي يموت فيها " .

يحتمل أن يكون المراد في أعماله التي عليها من خير أو شر كقوله صلى الله عليه وسلم في رواية جابر : " يبعث كل عبد على ما مات عليه " .

وقد يحتمل أن يبعث في ثيابه التي يموت فيها ، ثم تتناثر عنه أو عن بعضهم ، ثم يحشر إلى موقف الحساب عاريا ، ثم يكسى بعد ذلك من ثياب الجنة ، والله أعلم .

وأما قول الله عز وجل في صفة الكفار يوم القيامة : ( خاشعة أبصارهم ) وقوله : ( خشعا أبصارهم ) فإن المراد بذلك والله أعلم حال مضيهم إلى الموقف ، وقوله : ( مهطعين مقنعي رؤوسهم ) [ ص: 550 ]

وإنما هو إذا طال القيام عليهم في الموقف فيصيرون من الحيرة كأنهم لا قلوب لهم ويرفعون رؤوسهم فينظرون النظر الطويل الدائم ، ولا يرتد إليهم طرفهم كأنهم قد نسوا الغمض أو جهلوه والناس في القيامة لهم أحوال ومواقف واختلف الأخبار عنهم لاختلاف مواقفهم وأحوالهم " وأما قول الله عز وجل : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) .

فقد روينا : عن ابن عباس أنه قال : " هذا في النفخة الأولى ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ، ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم إذا نفخ في النفخة الأخرى قاموا ( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية