صفحة جزء
[ 390 ] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان أبي عمر ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ، ولما يلحد قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به قال : فرفع رأسه وقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، وكأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة ، وكفن من كفن الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال : فتخرج نفسه فتسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذها فيجعلها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة ريح مسك ، وجدت على ظهر الأرض فلا يمرون بملأ من الملائكة إلا قالوا :

[ ص: 611 ] ما هذه الريح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه الذي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل : اكتبوا عبدي في عليين في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول الله ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت ، قال : فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا من الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول له : أبشر بالذي يسرك فهذا يومك الذي كنت توعد فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح فيقول : رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي " .

قال : " وأما العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ومعهم المسوح حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله وغضبه " . قال : " فتفرق في جسده فينتزعها ، ومعها العصب والعروق كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح " . قال : " ويخرج منها أنتن من جيفة وجدت على وجه الأرض فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (
لا تفتح لهم أبواب السماء ) . إلى آخر الآية قال : فيقول الله تبارك وتعالى : اكتبوا [ ص: 612 ] كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى ، وأعيدوه إلى الأرض فإنا منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى " . قال : " فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ) الآية ، ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا من النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه " . قال : " ويأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد " . قال : " فيقول : من أنت فوجهك الوجه الذي يجي بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب لا تقم الساعة رب لا تقم الساعة " .


قال البيهقي رحمه الله : هذا حديث صحيح الإسناد [ ص: 613 ]

وقد ذكرنا سوى هذا من حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وأسماء بنت أبي بكر وغيرهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " [ ص: 614 ]

ورواه عيسى بن المسيب ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه اسم الملكين فقال في ذكر المؤمن : " فيرد إلى مضجعه فيأتيه منكر ، ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ، ويلحقان الأرض بأشفاههما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ، ثم يقال له : يا هذا من ربك ؟ فذكره وقال في ذكر الكافر : " فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويلحقان الأرض بأشفاهما ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ، ثم يقولان له : يا هذا من ربك ؟ فيقول : لا أدري فينادى من جانب القبر : لا دريت ويضربانه بمرزبة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم يقلوها يشتعل منها قبره نارا ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية