صفحة جزء
[ 4760 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن مهران الحافظ الزاهد ، حدثني أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن إسرائيل صاحب اللواء ، حدثنا عمرو بن أبي عثمان الرقي ، حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر ، عن ميمون بن مهران ، عن نافع ، قال : كنت مع ابن عمر في سفر ، فسمع صوت [ ص: 121 ] مزمار ، فوضع يديه على أذنيه ، وتنحى حيث لا يسمع ، وقال : " هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصنع إذا سمع مثل هذا .

تابعه عبد الله بن جعفر الرقي ، عن أبي المليح .

وروينا من حديث سليمان بن موسى ، والمطعم بن المقدام ، عن نافع ، وقال : ذكرنا الرخصة في الضرب بالدفوف للنكاح .

[ ص: 122 ] قال الحليمي رحمه الله : " ثم إن الدف كما فارق ضربه للغناء ضربه للنكاح ، فكذلك الطبل ، يفارق ضربه للغناء ، ضربه لركوب الغزاة ، ولحمل الحجيج أو نزولهم ، أو لأجل العيد ؛ لأن ذلك ليس للهو ، وما خلص للهو ، فذاك هو الممنوع ، والله أعلم .

قال الحليمي رحمه الله : " إلا أن ضرب الطبل إذا حل حل للرجال ، وضرب الدف لا يحل إلا للنساء ؛ لأنه في الأصل من أعمالهن " ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء " .

قال : وأما التصفيق فمكروه للرجال ؛ لأنه مما خص به النساء ، وقد منع الرجال من التشبه بالنساء ، كما منعوا من لبس المزعفر كذلك .

وأما الرقص ، فإن لم يكن فيه تكسر وتخنث فلا بأس به .

فإنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزيد : " أنت مولانا " ، فحجل ، وهو أن يرفع [ ص: 123 ] وعلا ، ويقفز إلى الأخرى من الفرح ، وقال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " فحجل ، قال علي : وقال لي : " أنت مني وأنا منك " فحجلت .

وأما ضرب القضيب ، فإنه إشارة إلى دون الشعر ، وتقطيع اللحن فقط ، وليس للتطريب والإلهاء ، ألا ترى أنه على الإفراد ليس مما تستلذه الأسماع ، ولا يرغب به ، وليس صوت المزهر كذلك ؛ لأنه يراد به التطريب والإلهاء ، والأسماع تستلذه ، وإن لم يكن معه قول ، وكان الضرب بالقضيب على وسادة ، والضرب بالمطرق على الطشت سواء .

قال الحليمي رحمه الله : " كل غناء حل أو حرم فهو باطل ، ما لا قربة فيه إلى الله تعالى ، ولا يصلح للتوصل به إلى قربة ، وهذا صفة الغناء ، إلا أنه ليس كل شيء يسمى بالباطل يحرم ، فإن اللعب بالصولجان باطل ولا يكره ، وكذلك المصارعة ، وبسط الكلام فيه ، قال : فإن أفضل الغناء المباح بغرض صحيح ، مثل أن يكون برجل وحشة وعلة عارضة فتكره ، فأشار عدل من الأطباء بأن تبوأ المساكن بالنزهة ، ويغني ليتفرج بذلك ، وينشرح صدره ارتفع اسم الباطل في هذا الحال عنه ، وكان اسم الحق أولى به ، ألا ترى أن الحداء ضرب من الغناء ، ولكنه لما كانت له فائدة معقولة ، وهي تنشيط الإبل للسير زال عنه اسم الباطل ، فما يراد به استصلاح نفس الإنسان وفكره ، أولى أن يزول عنه اسم الباطل .

قال الشيخ أحمد : " وعلى هذا لو كان رجل من أهل النسك غلب عليه حال من أحوالهم ، كالخوف والرجاء ، والمحبة والشوق ، وغير ذلك ، فغنى بما قيل في مثل حاله في بعض الأحايين ، فازداد بذلك ما هو فيه من الخوف من سوء العاقبة بما سبق في الأول ، أو الحزن على ما مضى من أيامه ، في غير الطاعة أو الشوق إلى ما أعده الله لعباده في الآخرة ، أو يفرح بما قيل فيه عن بعض ما يقاسيه من الخوف والحزن ، فاعتدلت حاله في الخوف والرجاء ، والحزن والفرح ، فجعل يفرح بما وفق له من الطاعة ، ويحزن بما يخاف من سوء العاقبة ، أو على ما يقع منه من التقصير في العبادة ، فقد فعله جماعة من سلف هذه الأمة ، ولم يكرهوه إلا لمن خرج عن هذه الوجوه وما في معناها " .

[ ص: 124 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية