صفحة جزء
[ 5244 ] وأخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا القعنبي ، فيما قرأ على مالك .

[ ص: 436 ] وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو النضر الفقيه ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع ، عن مالك ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ضافه ضيف وهو كافر ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشاة حلبت فشرب ، ثم أخرى ، فشرب حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم أصبح فأسلم ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ، فشرب حلابها ، ثم أمر بأخرى ، فلم يستتمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن يشرب في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " .

وفي رواية القعنبي : بشاة فحلبت فشرب حلابها ، ثم أمر له بأخرى ، فلم يستتمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المسلم يشرب في معى واحد ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء " .

رواه مسلم في الصحيح ، عن محمد بن رافع ، عن إسحاق بن عيسى .

قال الشيخ : قد أشار أبو عبيد ، في معنى الحديث ، إلى هذه الرواية المفسرة ، فلم أر الحليمي رضيه ، وكأن الحليمي لم يحفظ هذه الرواية ، ثم قال في آخر كلامه : وإن كان إنما قاله ، حين وصف له رجل بعينه ، فمعناه إذا : أن الذي يليق بالكافر ، أن يكثر أكله ، وبالمؤمن أن يذر أكله ؛ لأن الكافر لا يقصد إلا تسكين المجاعة ، وقضاء الشهوة ، والمؤمن يدع البعض ؛ لأنه حرام ، ويدع البعض إيثارا به على نفسه ، ويدع التمليء ؛ لئلا يثقل فيقطع العبادة ، ويدع البعض لفرط ما فيه من النعمة ، خيفة أن لا يستطيع القيام [ ص: 437 ] بشكره ، ويدع البعض رياضة لنفسه ، وقمعا لشهوته ، حتى لا يستعصي عليه ، ويدع البعض لئلا يعتاده ، فإن لم يجده في وقت اشتد ذلك ، أو وجد من ذلك في نفسه ، والكافر ليس به إلا ملء بطنه ؛ لأن هذه الوجوه كلها ، إنما يبعث عن النظر من قبلها الإيمان والتقوى ، فهو لا يترك لأجلهما شيئا ، وإنما أمامه شهوته دون ما عداها ، والمعى في هذا الحديث المعدة ، ومعناه : أنه يأكل الكافر أكل من له سبعة أمعاء ، والمؤمن لخفة أكله ، يأكل أكل من ليس له إلا معى واحد ، والله أعلم .

وقرأت في كتاب " الغريبين " قال : قال أبو عبيد : نرى ذلك لتسمية المؤمن عند طعامه ، فيكون فيه البركة ، والكافر لا يفعل ذلك .

وقيل إنه خاص لرجل ، قال غيره : وفيه وجه أحسن من ذلك كله ، وهو أنه مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن ، وزهده في الدنيا ، والكافر وحرصه عليها ، ولهذا قيل الرغب شؤم ؛ لأنه يحمل صاحبه على اقتحام النار ، وليس معناه كثرة الأكل ، دون اتساع الرغبة في الدنيا .

وذكر أبو سليمان هذه الوجوه ، اللفظ مختلف ، والمعنى واحد ، ثم قال : وقد قيل : إن الناس في الأكل على طبقات : فطائفة يأكلون كلما وجدوا مطعوما عن حاجة إليه ، وعن غير حاجة ، وهذا فعل أهل الجهل ، والغفلة الذين شاكلت طباعهم طباع البهائم ، وطائفة يأكلون إذا جاعوا ، فإذا ارتفع الجوع أمسكوا ، وهذه عادة المقتصدين من الناس ، والمتماسكين منهم في الشمائل والأخلاق ، وطائفة يتجوعون ويرتاضون بالجوع قمعا لشهوات النفوس ، فلا يأكلون إلا عند الضرورة ، ولا يزيدون منه ، على ما يكسر عزب الجوع ، وهذا من عادة الأبرار ، وشمائل الصالحين الأخيار .

[ ص: 438 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية