1. الرئيسية
  2. الجامع لشعب الإيمان
  3. الخامس والأربعون من شعب الإيمان وهو باب في إخلاص العمل لله عز وجل وترك الرياء
صفحة جزء
[ 6416 ] أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا حفص بن [ ص: 157 ] عمر ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن أبي أيوب ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بشر هذه الأمة بالتيسير والسنا والرفعة في الدين ، والتمكين في البلاد ، والنصر ، فمن عمل منهم عملا بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب " .

قال الحليمي رحمه الله : فثبت بالقرآن والسنة أن كل عمل أمكن أن يراد به وجه الله إذا لم يعمل لمجرد التقرب به إليه وابتغاء رضوانه حبط ، ولم يستوجب به ثوابا إلا أن لذلك تفصيلا ، وهو أن العمل إن كان من جملة الفرائض فمن أداه وأراد به الفرض غير أنه أداه بنية الفرض ؛ ليقول الناس : إنه فعول لكذا ، لا تطلبا لرضوان الله ، واتقاء لسخطه ، سقط عنه الفرض ، ولم يؤاخذ به في الآخرة ، ولم يعاقب بما يعاقب به التارك ، ولكنه لا يستوجب به ثوابا ، إنما ثوابه ثناء الناس عليه في الدنيا ومدحهم إياه بما فعل ، وإن كان العمل من باب التطوع ففعله يريد به وجوه الناس دون وجه الله تعالى جده ، فإن أجره يحبط ولا يحصل من عمله على شيء يكون له ، كما حصل الأول على سقوط الفرض عنه ، ثم معاقبتهما على أنهما عملا لا لوجه الله تعالى ، وباعا ثواب الله بمحمدة الناس .

يحتمل وجهين أحدهما : أن يقال إن الذي جاء به الحديث من قول الله عز وجل : " فقد قيل ذلك اذهبوا به إلى النار " إخبار بأن المرائي يعاقب عن عدوله عن قصد وجه الله إلى قصد وجه الناس ومعنى هذا ، أنه استخف حق الله ، واستهان نعمته ، فلم يجز أن يقصر ذلك عن ذنب غيره ، والذنوب كلها موجبة للعقاب ، فكذلك هذا قلت : إلا أن يعفو الله .

والوجه الآخر : أنه لا يعاقب ولا يثاب ومعنى الحديث : أن هذه الأعمال التي راءى بها لا تنفعه ، فيثقل بها ميزانه ، ويرجح بها كفة الطاعات كفة المعاصي ، إلا أنه يعاقب على الرياء بالنار ، إنما عقوبة الرياء إحباط العمل فقط ؛ ووجه هذا أنه عمل ما عمل ؛ عبادة لله عز وجل إلا أنه أراد بعمله حمد الناس ، فإذا أحيل عليهم فقد جوزي [ ص: 158 ] بصنيعه ، وليس له وراء ذلك ذنب يستوجب عقابا ؛ لأن جميع عمله شيئان : أحدهما : فعل لم يخل من أن يكون فعله عبادة لله تعالى ؛ لأنه لو أراد عبادة غيره به لكفر ، والآخر : قصده أن يمدحه الناس بفعله لا أن يثاب عليه ، فأما الأول فليس بذنب ، وأما الثاني فهو الذنب ، فإذا لم يتب وقصر على قول الناس فقد جوزي ، فثبت أن ذلك قصارى أمره والله أعلم .

قال الإمام أحمد رحمه الله : فعلى هذا تأويل الخبر حين أمر به فألقي في النار أن يكون له ذنوب غير ذلك ، ولم يرجح بهذا الذي عمله رياء كفة الطاعات كفة المعاصي ، فعوقب بمعاصيه ، لا بما فعل رياء والله أعلم .

والحديث الذي روينا عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حديث أنس كالدلالة على هذا الوجه [ والله أعلم ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية