صفحة جزء
[ 6817 ] أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل الصفار ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن حذيفة قال : قيل له : يا أبا عبد الله ! أكفر بنو إسرائيل في يوم واحد ؟ قال : لا ، ولكن عرضت عليهم فتنة ، فأبوا أن يركبوها فضربوا عليها حتى ركبوها ، ثم عرضت عليهم أكبر منها ، فقالوا : لا نركب هذه أبدا ، فضربوا عليها حتى ركبوها ، ثم [ ص: 377 ] عرضت عليهم أكبر منها فقالوا : لا نركب هذه أبدا ، فضربوا عليها حتى ركبوها ، فانسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه .

قال أحمد : قال أصحابنا : والختم على القلب والطبع بمعنى واحد ، ومن طبع على قلبه في ذنب لم يتب منه أبدا ، قال الله عز وجل : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .

فأيس نبيه صلى الله عليه وسلم من إيمانهم ثم أشار إلى سبب ذلك وعلته ، فقال الله : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) .

ومعنى الختم : التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء فقوله : ( ختم الله على قلوبهم ) أي طبع الله والخاتم بمنزلة الطابع ، والمعنى أنها لا تعقل ولا تعي خيرا ، فأخبر أنه حال بينهم وبين الدواعي إلى الإيمان أن يخلص إلى قلوبهم ، وحال بين قلوبهم وبين إبصار ما في الإيمان من الصواب ، فدل ذلك على أن الكافر مطبوع على قلبه يستحيل وجود الإيمان منه وقال : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) .

فأخبر أن المطبوع عليه غافل ، ووجود الفعل الذي شرطه الاختيار عن الغافل عنه غير ممكن ، وأصل الطبع في اللغة من الوسخ والدنس يغشيان السيف ثم يستعمل فيما يشبه الوسخ والدنس من الآثام والأقذار وغيرها من المقابح ، والاستثناء في قوله : ( بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) من جماعة اليهود الذين ابتدئت القصة بذكرهم ، لا من المطبوع على قلوبهم ، ويجوز أن يكونوا مأمورين بالإيمان ، ولا يجوز وجوده منهم ، فقد أخبرنا الله عز وجل عن جماعة من الكفار ( أنهم لا يؤمنون ) .

والأمر بالإيمان غير زائل عنهم ، وأخبر أنه أوحى إلى نوح عليه السلام

( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) .

[ ص: 378 ] ولذلك غرقهم ، ثم لا يجوز أن يقال : إن الأمر بالإيمان زال عنهم ، ولعن إبليس وجعله شيطانا ، فصار ممن لا يؤمن ولا يتوب أبدا ، ولا يجوز أن يقال : إن الأمر بالإيمان والتوبة زائل عنه ، فذلك المطبوع على قلبه ، والله أعلم وهكذا كله معنى قول الحليمي وغيره من أهل العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية