صفحة جزء
1805 - حدثنا حميد قال أبو عبيد : فلم يختلف المسلمون فيهما [ ص: 988 ] واختلفوا في الحلي ، وذلك أنه يستمتع به ويكون جمالا ، وأن العين والورق لا يصلحان لشيء من الأشياء ، إلا أن يكونا ثمنا لها ، ولا ينتفع منهما بأكثر من الإنفاق لهما ، فبهذا أبان حكمهما من الحلي الذي يكون زينة ومتعا ، فصار ههنا كسائر الأثاث والأمتعة ، فلهذا أسقط الزكاة عنه من أسقطها ولهذا المعنى قال أهل العراق : لا صدقة في الإبل والبقر العوامل ، وأسقطوها عن الحلي وكلا الفريقين قد كان يلزمه في مذهبه أن يجعلهما واحدا ، إما إسقاط الصدقة عنهما جميعا ، وإما إيجابها فيهما جميعا ، وكذلك هما عندنا ، سبيلهما واحد : لا تجب الصدقة عليهما ، لما قصصنا من أمرهما ، فأما الحديث المرفوع الذي ذكرناه في أول هذا الباب حين قال لليمانيتين صاحبتي السوارين : " أديا زكاته " فإن هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا في وجه واحد ، بإسناد قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا ، فإن يكن الأمر على ما روي ، وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم محفوظا ، قد يحتمل معناه أن يكون أراد بالزكاة العارية كما فسرته العلماء الذين ذكرناهم في قولهم : زكاته عاريته ، ولو كانت الزكاة في الحلي فرضا كفرض الرقة ، ما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أن يقول لامرأة ، يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس ، ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة في العامل من كتبه وسنته ، ولفعلته الأئمة بعد ، فقد كان الحلي من فعل الناس في آباد الدهر ، ولم نسمع له ذكرا في شيء من كتب صدقاتهم ، وكذلك حديث [ ص: 989 ] عائشة في قولها : لا بأس بلباس الحلي إذا أعطيت زكاته ، ولا وجه له عندي سوى العارية ، لأن القاسم بن محمد كان ينكر عليها أن تكون أمرت بذلك أحدا من نسائها أو بنات أخيها ، ولم يصح زكاة الحلي عندنا عن أحد من الصحابة ، إلا عن ابن مسعود ، فأما حديث عبد الله بن عمرو في تزكيته حلي نسائه وبناته ، ففي إسناده نحو مما في إسناد المرفوع .

والقول الآخر إنما هو عن عائشة رضي الله عنها ، وابن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، ثم من وافقهم من التابعين بعد ، ومع هذا كله ، ما تأولنا فيها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم المصدقة لمذهبهم عند التدبر والنظر .

وقد قال من يوجب الزكاة في الحلي : إن الله تبارك وتعالى يقول : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) ، قال : فالحلي من الكنوز ، وفيه الزكاة لذلك ، فيقال له : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال حين ذكر الإبل " في كل خمس شاة " ، حتى عد صدقة المواشي ، ولم يشترط سائمة ولا غيرها ، فإن أوجبت الصدقة في الحلي لأن تلك الآية عامة فأوجب الصدقة في الإبل العوامل لأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فيهما . [ ص: 990 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية