صفحة جزء
2270 - قال حميد : ذهب ناس من أهل العلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه ، إلا جاءت شينا في وجهه " ، قالوا : يا رسول الله ، وما غناه ؟ قال : " خمسون درهما ، أو حسابها من الذهب " ، وبحديثي علي ، وعبد الله اللذين في صدر هذا [ ص: 1203 ] الكتاب ، إلى أن قالوا : " لا يعطى من الزكاة من له خمسون درهما ، ولا يعطى منها أحد أكثر من خمسين " ، ولا يعجبنا قولهم هذا ، لأن حديثي علي وعبد الله ليسا بثابتين ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو تشديد في المسألة ، ألا تسمع إلى قوله في أول الحديث : " لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه " ، فلما قيل له : ما غناه ؟ قال : " خمسون درهما أو حسابها من الذهب " ، وقال في حديث آخر : " من سأل وله أوقية فقد سأل الناس إلحافا " ، وقال في حديث ثالث : " من سأل الناس عن ظهر غنى ، فإنما يستكثر من جهنم " ، فقيل : وما ظهر الغنى ؟ قال : إذا كان عند أهله ما يغديهم أو يعشيهم ؟ وكل ذلك تشديد في المسألة وفي الخمسين والأوقية والغداء والعشاء ما ينبغي للعاقل أن يستغني به عن المسألة فلا يسأل ، فأما إذا أعطي من غير مسألة ، فلا بأس أن يأخذه ، وإن كان مالكا لخمسين ، لأن الغني من تجب عليه الزكاة ، والفقير من لا تجب عليه ، فإذا لم تجب على الرجل فإنها تجب له . وأما قولهم : ولا يعطى منها أحد أكثر من خمسين ، فإن من قال هذا لزمه أن يقول : من لم يكن له شيء أعطي خمسين ، ومن كان له دون الخمسين أعطي تمام الخمسين ، وهذا قول لم يبلغنا أن أحدا قاله ولا يكلف سؤال مسكين عن ما عنده حتى يكمل له الخمسين أو المائتين ، بل كانوا يعطون المسكين ما بين العشرة إلى المائة ، ولا يسألون ، فهذا اختلافهم في الخمسين [ ص: 1204 ] وذهب آخرون إلى أن قالوا : ما يعطى من الزكاة من له مائتا درهم ، ولا يزاد أحد على المائتين إلا درهما ؛ لأن المائتين تجب فيها الزكاة فأما قولهم : لا يعطى من له مائتا درهم ، فحسن عندنا لأن المائتين أدنى ما تجب فيه الزكاة ، وأما قولهم : لا يعطى منها أحد مائتين فلا يعجبنا لأنه لا تجب على صاحب المائتين زكاة حتى يحول عليه الحول وهي عنده ، ولعل الحول يحول وقد أنفقها كلها ، أو قضى بها دينا ، أو نكح بها امرأة ، والأصل في ذلك عندنا أن من لا تجب عليه زكاة في عين ، ولا حرث ، ولا ثمر ، ولا ماشية ، وأن يكفيه ما عنده وعياله ، فإنه يعطى من الزكاة وليس فيما يعطى المسكين الواحد من الزكاة حد محدود ، ولكنه إلى رأي المعطي ، وكانوا يستحبون أن يغنوا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية