صفحة جزء
233 - قال أبو عبيد : فقد توالت الأخبار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين ، أما الأول منهما فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيبر ، وذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها وقسمها ، وبهذا الرأي أشار بلال على عمر في بلاد الشام . وأشار به الزبير بن العوام على عمرو بن العاص في أرض مصر ، وبهذا كان يأخذ مالك بن أنس ، كذلك يروى عنه .

وأما الحكم الآخر ، فحكم عمر في السواد وغيره ، وذلك أنه جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا . لم يخمسه ولم يقسمه ، وهو الذي أشار عليه علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل ، وبهذا كان يأخذ سفيان بن سعيد ، وهو معروف من قوله ، إلا أنه كان يقول : الخيار في أرض العنوة إلى الإمام ، إن شاء جعلها غنيمة فخمس وقسم ، وإن شاء جعلها فيئا عاما للمسلمين ، ولم يخمس ولم يقسم .

قال أبو عبيد : وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء إلا أن الذي اختار من ذلك أن يكون النظر فيه إلى الإمام ، وليس فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - رادا لفعل عمر . ولكنه - صلى الله عليه وسلم - اتبع آية من كتاب الله فعمل بها ، واتبع عمر آية أخرى فعمل بها ، وهما آيتان [ ص: 197 ] محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين ، فيصير غنيمة ، أو فيئا . قال الله - تبارك وتعالى - : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فهذه آية الغنيمة ، وهي لأهلها دون الناس وبها عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الله تعالى : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ) إلى قوله : ( للفقراء المهاجرين ) . ( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ) . ( والذين جاؤوا من بعدهم ) فهذه آية الفيء ، وبها عمل عمر ، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها .

قال : فاستوعبت هذه الآية الناس ، وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ حين أشار على عمر بما أشارا - فيما نرى - والله أعلم .

وقد قال بعض الناس : إن عمر إنما فعل ما فعل بهم برضى من الذين افتتحوا الأرض واستطابت به أنفسهم ، لما كان عمر كلم به جرير بن عبد الله في أمر السواد ، وقد علمنا ما كان من كلامه إياه .

التالي السابق


الخدمات العلمية