صفحة جزء
763 - حدثنا حميد قال أبو عبيد : وهذه آية الفيء ، فرأى عمر أن الآية محيطة بالمسلمين ، وإنه ليس منهم أحد يخلوا أن يكون له فيها نصيب ، ثم اختلف المسلمون بعد ذلك أيضا [ ص: 481 ] فقال قائلون : من لم يكن له غناء عن المسلمين في جهاد عدو أو قيام بحكم أو اجتباء مال ، وغير ذلك مما يرجع على المسلمين نفعه ، ولم يكن هذا من أهل الفاقة والمسكنة ، فلا حق له في بيت المال ، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه وقال آخرون : بل المسلمون شركاء كلهم في الفيء ، لأنهم أهل دين وقبلة ، وهم يد واحدة على الأمم ، يواسي بعضهم بعضا ، ويرد أقصاهم على أدناهم ، يذهبون في ذلك إلى كلام عمر ، مع احتجاجه بتأويل القرآن ، فاختلفوا لاختلاف هذين الحكمين عندهم : حديث النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عمر ، وكذلك هما في الظاهر مختلفان ، ولكل واحد من الفريقين مذهب ومقال ، والأمر عندي في ذلك أن الحكمين لكل واحد منهما وجه غير وجه صاحبه ، إلا أن الذي يؤول إليه الأمر عندي قول الذين رأوا اشتراك المسلمين في الفيء ، وليس هذا براد للأمر الأول ، ولكنهما جميعا قد كانا ، وإنما حديث النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ ومنسوخ كالتنزيل ، وليس ينسخ سنته إلا سنة له أخرى أو تنزيل ، فكان منعه صلى الله عليه وسلم من منع من الغنيمة والفيء إذ تركوا الهجرة - وهو الأصل الذي كان عليه بدء الإسلام ، وإذا كانت الهجرة تفرق بين حكم المهاجرين وبين من لم يهاجر في الولاية والمواريث والمناكحة والفيء ، نزل بذلك الكتاب وجرت به السنة : فأما السنة فقوله " وليس لهم في الغنيمة والفيء شيء " وأما التنزيل فقوله ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) .

[ ص: 482 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية