صفحة جزء
572 - باب : هل يقدم الرجل رجله بين يدي أصحابه ، وهل يتكئ بين أيديهم ؟

1198 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن العصري ، قال : حدثنا شهاب بن عباد العصري ، أن بعض وفد عبد القيس سمعه يذكر ، قال : لما بدأنا في وفادتنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرنا ، حتى إذا شارفنا القدوم تلقانا رجل يوضع على قعود له ، فسلم ، فرددنا عليه ، ثم وقف فقال : ممن القوم ؟ قلنا : وفد عبد القيس ، قال : مرحبا بكم وأهلا ، إياكم طلبت ، جئت لأبشركم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم بالأمس لنا : إنه نظر إلى المشرق ، فقال : ليأتين غدا من هذا الوجه ، يعني : المشرق ، خير وفد العرب .

فبت أروغ حتى أصبحت ، فشددت على راحلتي ، فأمعنت في المسير حتى ارتفع النهار ، وهممت بالرجوع ، ثم رفعت رؤوس رواحلكم ، ثم ثنى [ ص: 678 ] راحلته بزمامها راجعا يوضع عوده على بدئه ، حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه حوله من المهاجرين والأنصار - فقال : بأبي وأمي ، جئت أبشرك بوفد عبد القيس ، فقال : أنى لك بهم يا عمر ؟ قال : هم أولاء على أثري ، قد أظلوا ، فذكر ذلك ، فقال : بشرك الله بخير ، وتهيأ القوم في مقاعدهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا ، فألقى ذيل ردائه تحت يده فاتكأ عليه ، وبسط رجليه ، فقدم الوفد ففرح بهم المهاجرون والأنصار ، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمرحوا ركابهم فرحا بهم ، وأقبلوا سراعا ، فأوسع القوم ، والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على حاله ، فتخلف الأشج ، وهو : منذر بن عائذ بن منذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن عصر ، فجمع ركابهم ثم أناخها ، وحط أحمالها ، وجمع متاعها ، ثم أخرج عيبة له وألقى عنه ثياب السفر ولبس حلة ، ثم أقبل يمشي مترسلا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من سيدكم وزعيمكم ، وصاحب أمركم ؟

فأشاروا بأجمعهم إليه ، وقال : ابن سادتكم هذا ؟

قالوا : كان آباؤه سادتنا في الجاهلية ، وهو قائدنا إلى الإسلام ، فلما [ ص: 679 ] انتهى الأشج أراد أن يقعد من ناحية ، استوى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا ، قال : ها هنا يا أشج .

وكان أول يوم سمي ( الأشج ) ذلك اليوم ، أصابته حمارة بحافرها وهو فطيم ، فكان في وجهه مثل القمر ، فأقعده إلى جنبه ، وألطفه ، وعرف فضله عليهم ، فأقبل القوم على النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه ويخبرهم ، حتى كان بعقب الحديث ، قال : هل معكم من أزودتكم شيء ؟

قالوا : نعم ، فقاموا سراعا ، كل رجل منهم إلى ثقله ، فجاؤوا بصبر التمر في أكفهم ، فوضعت على نطع بين يديه ، وبين يديه جريدة دون الذراعين وفوق الذراع ، فكان يختصر بها ، قلما يفارقها ، فأومأ بها إلى صبرة من ذلك التمر ، فقال : تسمون هذا التعضوض ؟ قالوا : نعم . قال : وتسمون هذا الصرفان ؟ قالوا : نعم . قال : وتسمون هذا البرني ؟ قالوا : نعم . قال : [ ص: 680 ] هو خير تمركم وأنفعه لكم ، وقال بعض شيوخ الحي : وأعظمه بركة .

وإنما كانت عندنا خصبة نعلفها إبلنا وحميرنا ، فلما رجعنا من وفادتنا تلك عظمت رغبتنا فيها ، وفسلناها حتى تحولت ثمارنا منها ، ورأينا البركة فيها .


التالي السابق


الخدمات العلمية