صفحة جزء
1559 - قال أبو بكر بن أبي عاصم رحمه الله : سألت عن السنة ما هي ؟

والسنة اسم جامع لمعان كثيرة في الأحكام وغير ذلك . ومما اتفق أهل العلم على أن نسبوه إلى السنة القول بإثبات القدر ، وأن الاستطاعة مع الفعل للفعل ، والإيمان بالقدر خيره وشره ، وحلوه ومره . وكل طاعة مع مطيع فبتوفيق الله له ، وكل معصية من عاص فبخذلان الله السابق منه وله ، والسعيد من سبقت له السعادة ، والشقي من سبقت له الشقاوة ، والأشياء غير خارجة من مشيئة الله وإرادته ، وأفعال العباد من الخير والشر فعل لهم خلق لخالقهم . والقرآن كلام الله تبارك وتعالى تكلم الله به ليس بمخلوق ، ومن قال : مخلوق ، ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم ، ومن قال من قبل أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه . والإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، وإثبات رؤية الله عز وجل يراه أولياؤه في الآخرة نظر عيان كما جاءت الأخبار . وأبو بكر الصديق أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعده ، وهو الخليفة خلافة النبوة ، بويع يوم بويع وهو أفضلهم وهو أحقهم بها ، ثم عمر بن الخطاب بعده على مثل ذلك ، ثم عثمان بن عفان بعده على مثل ذلك ، ثم علي بعده على مثل ذلك ، رحمة الله عليهم جميعا .

وأبو بكر الصديق أعلمهم عندي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأفضلهم وأزهدهم وأشجعهم وأسخاهم . ومن الدليل على ذلك قوله في أهل الردة ، وقد نازله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، على أن يقبل منهم بعضا فأبى إلا كل ما أوجب الله عليهم أو يقاتلهم ، ورأى أن الكفر ببعض التنزيل يحل دماءهم فعزم على قتالهم فعلم أنه الحق . ومن شجاعته كونه مع النبي عليه السلام في الغار وهجرته معه معرضا نفسه لقريش وسائر العرب مع قصد المشركين وطلبهم له ، وما بذلوا فيه من الرغائب ، ثم ما ظهر في رأيه ونبله وسخائه أن كان ماله في الجاهلية أربعين ألف أوقية ففرق كله في الإسلام . ومن زهده أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ندب إلى الصدقة ، فجاء أبو بكر بجميع ماله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

[ ص: 646 ] " ما أبقيت لأهلك ؟ قال : الله ورسوله .
ولم يفعل هذا أحد منهم . وقال في قصة الكتاب الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يكتب لهم : يأبى الله ويدفع بالمؤمنين . وسماه الله من السماء الصديق ، وبويع واتفق المسلمون على بيعته ، وعلموا أن الصلاح فيها فسموه خليفة رسول الله وخاطبوه بها . ثم عمر بن الخطاب رحمة الله عليه على مثل سبيل أبي بكر ، وما وصفنا به مع شدته واستقامته وسياسته . ومن ذلك قوله لعيينة والأقرع : إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يتألفكما والإسلام قليل ، وقد أغنى الله عنكما . وذكر سير عمر وسياسته كثر . ثم عثمان بن عفان من أعلمهم وأشجعهم وأسخاهم وأجودهم جودا . ومن علمه أن عليا وعبد الرحمن ، رحمة الله عليهما ، أشارا في إقامة الحد على أمة حاطب ، فرأى عمر ذلك معهم . قال : يا أبا عمرو ، وما تقول ؟ قال : لا أرى عليها حدا ؛ لأنها تستهل (تستحل : نسخة) به ، وإنما الحد على من علمه . فقال عمر بعد أن فهم ذلك عنه : صدقت والله ، إنما الحد على من علمه . وتزوج ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجتمع ذلك لأحد قط . ثم أذهنهم ذهنا ، وأظهرهم عبادة ، حفظ القرآن على كبر سنه في قلة مدة ، فكان يقوم به في ليلة واحدة . ومن سخائه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ندب إلى جيش العسرة فجاء بألف دينار ، ثم ألف ، ثم ألف ، ثم جهز جيش العسرة بأجمع جهازهم .

ثم علي ، رحمة الله عليه ، مثل ذلك في كماله وزهده وعلمه وسخائه . ومن زهده أنه اشتغل في سنة أربعين ألف دينار ففرقها ، وقميصه كرابيس سنبلاني . قال محمد بن كعب القرظي : سمعت عليا يقول : بلغت صدقة مالي أربعين ألف دينار . ومن فضائله التي أبانه الله بها تزويجه بفاطمة ، وولده الحسن والحسين رحمة الله عليهما ، وحمله باب خيبر ، وقتله مرحبا ، وأشياء يكثر ذكرها . ثم لكل واحد من أهل الشورى فضائل يكثر ذكرها .

ومما قد ينسب إلى السنة ، وذلك عندي إيمان ، نحو عذاب القبر . ومنكر ونكير ، والشفاعة ، والحوض ، والميزان ، وحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة فضائلهم وترك سبهم والطعن عليهم وولايتهم ، والصلاة على من مات من أهل التوحيد ، والترحم على من أصاب ذنبا والرجاء للمذنبين ، وترك الوعيد ، [ ص: 647 ] ورد العباد إلى مشيئة الله ، والخروج من النار يخرج الله من يشاء منها برحمته ، والصلاة خلف كل أمير جائر ، والصلاة في جماعة ، والغزو مع كل أمير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتعاون .

السابق


الخدمات العلمية