صفحة جزء
636 - ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي ، ثنا عبد الرحمن بن عياش الأنصاري ، عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن المنتفق العقيلي ، عن جده عبد الله ، عن عمه لقيط بن عامر بن المنتفق ، قال دلهم : وحدثني أيضا أبي الأسود بن عبد الله ، عن عاصم بن لقيط بن عامر ، أن لقيط بن عامر خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له : نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق ، قال لقيط : فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا المدينة لانسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة ، فقام في الناس خطيبا فقال : " يا أيها الناس ، إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم اليوم ، ألا هل من امرئ بعثه قومه فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا وإني مسؤول : هل بلغت ؟ ألا اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا اجلسوا " . فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قال : قلت : يا رسول الله ما عندك من علم الغيب ؟ قال : فضحك ، لعمر الله ، وهز رأسه وعلم أني أبتغي سقطه وقال : " ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله " وأشار بيده فقلت : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمون ، وعلم المني حين يكون في الرحم ولا تعلمونه ، وعلم ما في غد ، قد علم ما أنت طاعم غدا ولا تعلم ، ويعلم يوم الغيث ليشرف عليكم آزلين مشفقين فيظل يضحك ، وقد علم أن غوثكم قريب " . قال لقيط : فقلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا . " وعلم يوم تقوم الساعة " . قلت : يا رسول الله إني سائلك [ ص: 287 ] عن حاجتي فلا تعجلني . قال : " سل " قلت : يا رسول الله علمنا مما تعلم ولا نعلم ، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربو علينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها . قال : " تلبثون ما لبثتم ، ثم يتوفى نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ثم تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصيحة ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من شيء إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك ، فأصبح ربك يطوف في الأرض ، وخلت عليه البلاد ، فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شق الغيث عنه ، حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا ، فيقول ربك : مهيم ؟ فيقول : أمس اليوم يا رب ، لعهده بالحياة يحسبه قريبا لعهده بأهله " . فقلت : يا رسول الله كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلاء والسباع ؟ قال : " أنبئك في مثل ذلك في آلاء الله : في الأرض أشرفت عليها مرة بالية ، فقلت : أنى تحيا أبدا ، ثم أرسل ربك عليه السماء ، فلم يلبث عليها إلا أياما حتى أشرفت عليها فإذا هي شربة واحدة ، ولعمر إلهك لهذا أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض ، فتخرجون من الاستقرار بين القبور من مصارعكم ، فتنظرون إليه ساعة وينظر إليكم " . قلت : يا رسول الله وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه ؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في إل الله : الشمس والقمر آية منه صغيرة ، ترونهما ساعة واحدة ويريانكم ، ولا تضامون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منهما إن ترونهما ويريانكم " . قال : قلت : يا رسول الله فما يفعل بنا إذا لقيناه ؟ قال : " تعرضون عليه بادية له صفاحكم ، لا يخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء ، فينضح به قبلكم ، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه أحدكم قطرة ، فأما المسلم فيدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فيخطم مثل المخطم الأسود ، ثم ينصرف نبيكم ويفترق على أثره الصالحون ، ألا فتسلكون جسرا من النار ، يطأ أحدكم الجمرة فيقول : حس . يقول ربك تبارك وتعالى : أوانه . ألا فتطلعون على حوض الرسول ، لا يظمأ والله [ ص: 288 ] ناهله أبدا ، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى ، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون واحدا منهما " . قال : فقلت : يا رسول الله ، فبم نبصر ؟ قال : " مثل بصر ساعتك هذه ، وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت به الأرض واجهت الجبال " . قال : قلت : يا رسول الله ، فبما نجزى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ قال : " الحسنة بعشرة أمثالها ، والسيئة بمثلها أو يعفو الله " . قال : قلت : يا رسول الله ، فما الجنة ؟ فما النار ؟ قال : " لعمر إلهك ، إن النار لها سبعة أبواب ، ما فيهن بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما " . قلت : يا رسول الله ، فعلى ما نطلع من الجنة ؟ قال : " على أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة ، ولعمر إلهك ما تعلمون ، وخير من مثله معه ، وأزواج مطهرة " . قلت : يا رسول الله ، ألنا بها أزواج وفيهن الصالحات ؟ قال : " الصالحات للصالحين ، يلذونهن مثل لذاذتكم في الدنيا ، ويلذونكم ، غير أن لا توالد " . قال لقيط : فقلت : أفضل ما نحن بالغون فتهون . قلت : يا رسول الله ، على ما أبايعك ؟ فبسط يده وقال : " على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشرك ، وأنه لا تشرك بالله إلها غيره " . قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب . قال : فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه ، فظن أنه مشترط شيئا ، قال : قلت : نحل منها حيث نشاء ، ولا يجني على امرئ إلا نفسه . قال : فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال : " ذلك لك ، تحل حيث شئت ، ولا يجني عليك إلا نفسك " . قال : فانصرفنا عنه ، وقال : " ها إن ذين ، ها إن ذين ، ها إن ذين لمن نفر ، لعمر إلهك إن حدثت ألا إنه لمن أتقى الناس لله في الأولى والآخرة " . قال كعب بن الخدارية ، أحد بني أبي بكر بن كلاب : من هم يا رسول الله ؟ قال : " بنو المنتفق ، وأهل ذلك بنو المنتفق منهم " . قال : وانصرفت فأقبلت عليه فقلت : يا رسول الله هل لأحد ممن قد مضى من خير في الجاهلية ؟ فقال رجل من [ ص: 289 ] عرض قريش : والله إن أباك المنتفق لفي النار ، قال : فكأنه وقع نار بين جلد وجهي وجسدي مما قال لأبي على دواس الناس ، فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله ؟ فإذا الأخرى أجمل ، فقلت : وأهلك يا رسول الله ؟ قال : " وأهلي ، لعمرك ما أتيت عليه من قبر عامري فقل : أرسلني إليك محمد وأبشر بما يسوؤك ، تجر على وجهك وبطنك في النار " . قال : فقلت : يا رسول الله ، وما فعل بهم ، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال : " ذلك بأن الله تبارك وتعالى بعث في آخر كل سبع أمم نبيا ، فمن عصى نبيه كان من الضالين ، ومن أطاعه كان من المهتدين "

التالي السابق


الخدمات العلمية