صفحة جزء
ص - ( مسألة ) : إذا حمل الصحابي ما رواه على أحد محمليه - فالظاهر حمله عليه بقرينة . فإن [ حمله ] على غير ظاهره ، فالأكثر على الظهور .

وفيه قال الشافعي - رحمه الله - : " كيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحججته " . فلو كان نصا فيتعين نسخه عنده .

وفي العمل نظر . وإن عمل بخلاف [ خبره ] أكثر الأمة فالعمل بالخبر ، إلا إجماع المدينة .


ش - الخبر لا يخلو من أن يكون مجملا ، أو ظاهرا ، أو نصا . فإن كان مجملا ، وحمل الصحابي الذي رواه على أحد محمليه ، فالظاهر أن الراوي إنما حمله عليه لقرينة مخصصة .

وإنما قال : " فالظاهر " ; لأنه يجوز أن يكون حمله عليه باجتهاده ، فحينئذ يجوز للمجتهد أن يخالف بالاجتهاد .

[ ص: 751 ] وإن كان الخبر ظاهرا وحمله الراوي على غير الظاهر ، فالأكثر على أنه يحمل على الظهور ، ولا يحمل على ما حمله الراوي عليه من التأويل . وفي مثل هذا قال الشافعي - رضي الله عنه - : " كيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحججته " .

ومن قال : إنه يحمل على ما حمله الراوي عليه ، احتج بأنه لو لم يجد الراوي دليلا راجحا لكان حمله على غير الظاهر قادحا في عدالته .

أجيب بأنه يجوز أن يكون الدليل راجحا باجتهاده ولم يكن راجحا في نفس الأمر . وإن كان الخبر نصا وعمل الراوي بخلافه ، تعين أن يكون ذلك الخبر منسوخا عند الراوي ، وإلا لما عمل الراوي بخلافه .

وفي جواز العمل بهذا النص نظر ; لأن النص أقوى من الظاهر ، والظاهر لا يكون متروكا عند الأكثر إذا ترك الراوي العمل به ، فالنص أولى أن لا يترك .

فإن قيل : لا نسلم أن النص أولى بأن لا يترك ، وذلك لأن النص دلالته قطعية لا يحتمل غير معناه ، فلا يكون ترك الراوي إياه للاجتهاد ، بل لنص راجح . بخلاف الظاهر فإنه لما احتمل غير معناه ، جاز أن يكون تركه لأجل اجتهاده .

أجيب بأن العمل بالنص أولى لأن المقتضي للعمل به متحقق ، بخلاف عمل الراوي فإنه يجوز أن يكون مخالفته لنص آخر ، ظنه الراوي ناسخا وليس كذلك في نفس الأمر .

[ ص: 752 ] وإذا عمل أكثر الأمة بخلاف خبر الواحد ، فالعمل بخبر الواحد ، لا بعمل أكثر الأمة ، لما علمت أن قول الأكثر لا يكون حجة ، فضلا عن أن يكون راجحا على خبر الواحد ، إلا إذا كان عمل الأكثر عمل أهل المدينة ، فإنه يتعين العمل بعمل أهل المدينة ; لأنه ثبت أن اتفاق أهل المدينة [ إجماع ] والإجماع يقدم على خبر الواحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية