صفحة جزء
ص - لنا أن عمر - رضي الله عنه - ترك القياس في الجنين للخبر ، وقال : " لولا هذا لقضينا فيه برأينا " .

وفي دية الأصابع باعتبار منافعها بقوله : " في كل إصبع عشر " . وفي ميراث الزوجة من الدية . وغير ذلك ، وشاع وذاع ولم ينكره أحد .

[ ص: 754 ] وأما مخالفة ابن عباس خبر أبي هريرة - رضي الله عنهما - " توضئوا مما مسته النار " فاستبعاد لظهوره .

وكذلك هو وعائشة في : " إذا استيقظ " . ولذلك قالا : فكيف نصنع بالمهراس . وأيضا [ أخر معاذ ] العمل بالقياس وأقره - صلى الله عليه وسلم - . وأيضا لو قدم - لقدم الأضعف .

والثانية إجماع; لأن الخبر مجتهد فيه في العدالة والدلالة ، والقياس في ستة : حكم الأصل ، وتعليله ، ووصف التعليل ، ووجوده في الفرع ، ونفي المعارض فيهما . وإلى الأمرين أيضا إن كان الأصل خبرا .


ش - احتج المصنف على تقديم الخبر على القياس إذا لم تكن العلة ثابتة بنص راجح بثلاثة وجوه .

أحدها الإجماع . ووجه التمسك به أن عمر - رضي الله عنه - ترك العمل بالقياس وأخذ الخبر في دية الجنين . وذلك لأنه قصد أن [ ص: 755 ] يعمل بالقياس . فقال حمل بن مالك : " كنت بين ضرتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغرة " . فقال عمر - رضي الله عنه - لولا هذا لقضينا برأينا .

وأيضا ترك عمر العمل بالقياس وأخذ بالخبر في دية الإصبع ، فإنه قصد إيجاب دية الأصابع على قدر منافعها ، حتى روى واحد من الصحابة له " في كل إصبع عشر من الإبل " .

[ ص: 756 ] وأيضا اجتهد عمر واستقر رأيه على أن زوجة المقتول لا ترث من دية زوجها ، فلما نقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليه توريث الزوجة من دية زوجها ، ترك الاجتهاد وأخذ بالخبر .

وغير ذلك من الوقائع . وقد شاع ذلك بين الصحابة ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا على تقديم الخبر على القياس .

قوله : " وأما مخالفة ابن عباس " جواب دخل مقدر . توجيهه أن يقال : لا نسلم أنه لم ينكر أحد من الصحابة تقديم الخبر على القياس . وذلك لأن ابن عباس قدم القياس على الخبر ، فإنه خالف خبر أبي هريرة : " توضئوا مما مست النار " فقال : " ألسنا نتوضأ بالماء الحميم ، فكيف نتوضأ بما نتوضأ عنه " .

[ ص: 757 ] وأيضا خالف ابن عباس وعائشة خبر أبي هريرة : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا " لكونه مخالفا للقياس . [ ص: 758 ] أجاب بأنا لا نسلم أن إنكار ابن عباس في الحديث الأول لترجيح القياس على الخبر ، بل إنكاره لاستبعاده الحديث المذكور لظهور الأمر على خلافه .

وكذلك إنكار ابن عباس وعائشة خبره . ولذلك قالا : " كيف نصنع بالمهراس " ، وهو الحجر العظيم الذي يصب فيه الماء لأجل الوضوء .

[ الوجه ] الثاني أنه - عليه السلام - لما بعث معاذا إلى اليمن سأله ، فقال : بم تقضي يا معاذ ؟ فقال : بالكتاب . قال - عليه السلام - : " فإن لم تجد فيه ؟ " قال : بالسنة . قال : " فإن لم تجد فيها ؟ " قال : أجتهد برأيي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه الله ورسوله " .

فجعل معاذ العمل بالقياس مشروطا بفقد الحكم في السنة ، أعم من أن يكون متواترا أو آحادا ، فأقره الرسول - عليه السلام - وحمد الله على ذلك . فلو لم يكن الخبر مقدما على القياس لما أقره الرسول - عليه السلام - ولم يحمد على ذلك الوجه .

الثالث : لو قدم القياس على الخبر لزم تقديم الأضعف على الأقوى . والتالي باطل بالاتفاق . وإليه أشار بقوله : " والثانية إجماع " .

[ ص: 759 ] بيان الملازمة أن الخبر يتوقف على مقدمات أقل . وما يتوقف على مقدمات أقل ، كان الخطأ فيه أقل ، فيكون أقوى .

وإنما قلنا : إن الخبر يتوقف على مقدمات أقل لأن الخبر يجتهد فيه في الأمرين : عدالة الراوي ، ودلالته على ما هو المراد . والقياس يجتهد فيه في ستة أمور : الأول : ثبوت حكم الأصل . والثاني : تعليل حكم الأصل . الثالث : الوصف الصالح للتعليل . الرابع : وجود ذلك الوصف في الفرع ; الخامس : عدم المعارض في الأصل . السادس : عدمه في الفرع .

هذا إذا لم يكن الأصل ثابتا بالخبر . أما إذا كان الأصل ثابتا بالخبر ، احتاج القياس أيضا إلى الأمرين : العدالة والدلالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية