صفحة جزء
ص - لنا ثبوت الاستدلال ( بمطلقها ) على الوجوب شائعا متكررا من غير نكير ، كالعمل بالأخبار .

واعترض بأنه ظن .

وأجيب بالمنع .

[ ص: 22 ] ولو سلم فيكفي الظهور في مدلول اللفظ ، وإلا لتعذر العمل بأكثر الظواهر .

وأيضا ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك والمراد قوله : اسجدوا .

وأيضا : وإذا قيل لهم اركعوا ذم على مخالفة أمره .

وأيضا : تارك المأمور به عاص ، بدليل أفعصيت أمري .

وأيضا : فليحذر الذين يخالفون عن أمره .

[ ص: 23 ] والتهديد دليل الوجوب .

واعترض بأن المخالفة حملت على مخالفة من إيجاب وندب .

وهو بعيد .

قولهم : مطلق .

قلنا : بل عام .

وأيضا : نقطع بأن السيد إذا قال لعبده : خط هذا الثوب ولو بكتابة أو إشارة ، فلم يفعل عد عاصيا .


ش - احتج المصنف على المذهب الأول بالإجماع والكتاب والعرف .

أما الإجماع ؛ فلأن الصحابة استدلوا بمطلق صيغة " افعل " بدون قرينة على الوجوب ، وشاع هذا الاستدلال وذاع ، ولم ينكر عليه أحد ، فيكون إجماعا على أن مطلق صيغة " افعل " للوجوب ، كالعمل بالأخبار ، فإنه لما اشتهر بين الصحابة العمل بها ، كان إجماعا .

وقد اعترض على هذا الدليل بأنه لا يفيد إلا ظنا ، والظن [ ص: 24 ] لا يعتد به في أمثال هذه المسائل .

أجاب بأنا لا نسلم أنه لا يفيد إلا ظنا ، بل يفيد القطع ؛ لأن الإجماع قطعي .

ولئن سلم أنه لا يفيد إلا ظنا ، لكن لا نسلم أن الظن لا يكفي في مدلولات الألفاظ بل يكفي في مدلول اللفظ ظهور كونه مدلولا له ، وإلا لتعذر العمل ( بأكثر الظواهر ) من الآيات والأخبار .

وأما الكتاب ، فمنه قوله تعالى لإبليس : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك .

والمراد بقوله : إذ أمرتك ما خاطب به الملائكة ، وهو قوله تعالى : اسجدوا .

ووجه التمسك بهذه الآية أنه تعالى لما أمر الملائكة وإبليس بالسجود لآدم ، وترك إبليس المأمور به ، ذمه على ترك المأمور به ، إذ ليس المراد من قوله " ما منعك " الاستفهام بالاتفاق ، فيكون للذم . فيلزم أن يكون الأمر للوجوب ، وإلا لما ذمه على ترك السجود .

ومنه قوله تعالى : وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون .

[ ص: 25 ] ذم على مخالفة أمره التي هي ترك الركوع .

فلو لم يكن الأمر للوجوب لما ذمهم على مخالفته .

ومنه أن تارك الأمر عاص ; لقوله تعالى : أفعصيت أمري . والعاصي يستحق النار " لقوله تعالى ; ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم فيكون الأمر للوجوب ، وإلا لما كان تاركه مستحقا للنار .

ومنه قوله تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة . هدد على مخالفة الأمر . فيكون الأمر للوجوب ، وإلا لما حسن التهديد على مخالفته .

واعترض على هذا الدليل بأن المخالفة لا يحمل على ترك المأمور به بل يحمل على مخالفته من وجوب وندب ، أي يحمل مخالفة الأمر على خلاف ما هو عليه بأن كان للوجوب فيحمل على الندب ، وبالعكس .

أجاب بأن حمل المخالفة على مخالفته من وجوب أو ندب بعيد ; لأن حمل المخالفة على ترك المأمور به ظاهر ، فيكون راجحا ، وحمل ( اللفظ على ) المرجوح مع وجود الراجح بعيد .

[ ص: 26 ] واعترض أيضا بأنا لا نسلم أنه يدل على أن جميع الأوامر للوجوب ، لأن الأمر في قوله تعالى عن أمره مطلق ; لكونه مفردا ، والمطلق لا يفيد العموم .

أجاب بأنه عام بدليل صحة الاستثناء .

وأيضا رتب الأمر بالحذر على مخالفة الأمر التي هي الوصف المناسب ، فحيث وجدت مخالفة الأمر وجد الأمر بالحذر ، فيكون عاما .

- وأما العرف فلأنا نقطع أن السيد إذا قال لعبده : خط هذا الثوب ، ولو كان الأمر بالخياطة بكتابة أو إشارة ، فلم يفعل العبد - عد عاصيا .

فلو لم يكن الأمر للوجوب لما عد عاصيا بترك المأمور به .

التالي السابق


الخدمات العلمية