صفحة جزء
ص - القاضي : لو لم يكن إياه لكان ضدا أو مثلا ، أو خلافا .

لأنهما إما أن يتساويا في صفات النفس أو لا .

الثاني : إما أن يتنافيا بأنفسهما أو لا .

فلو كانا مثلين أو ضدين لم يجتمعا .

ولو كانا خلافين لجاز أحدهما مع ضد الآخر وخلافه ؛ لأنه حكم الخلافين .

ويستحيل الأمر مع ضد النهي عن ضده ، وهو الأمر بضده ; لأنهما نقيضان .

أو تكليف بغير الممكن .

وأجيب : إن أراد بطلب ترك ضده طلب الكف منع [ ص: 54 ] لازمهما عنده ، فقد يتلازم الخلافان ، فيستحيل ذلك .

وقد يكون كل منهما ضد ضد الآخر ؛ كالظن والشك ، فإنهما معا ضد العلم .

وإن أراد بترك ضده عين الفعل المأمور به رجع النزاع لفظيا في تسميته تركا ، ثم في تسمية طلبه نهيا .

القاضي أيضا : السكون عين ترك الحركة ، فطلب السكون طلب ترك الحركة .

وأجيب بما تقدم .


ش - احتج القاضي على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بوجهين :

الأول - لو لم يكن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده لكان إما ضدا له أو مثلا له أو خلافا له .

والتالي باطل .

أما الملازمة فالانحصاره في الثلاثة على تقدير أن يكون [ ص: 55 ] غيره ; لأنه حينئذ إما أن يكون مساويا ( له ) في صفات نفس الماهية ، أي في تمام ذاتياته أو لا .

والأول هما المثلان ، كزيد وخالد .

والثاني إما يتنافيا لذاتيهما أو لا .

والأول هما الضدان ، ويندرج فيه النقيضان ، كالإنسان واللا إنسان ; والعدم والملكة كالعمى والبصر ، والضدان الوجوديان اللذان يكون بينهما غاية الخلاف ، كالسواد والبياض .

والثاني هما الخلافان ، كالحركة والسواد .

وأما بيان بطلان التالي - فلأن الأمر بالشيء والنهي عن ضده لو كانا مثلين أو ضدين لم يجتمعا ، ضرورة امتناع اجتماع الضدين والمثلين ، لكن الأمر بالشيء والنهي عن ضده يجتمعان ، فلا يكون الأمر بالشيء والنهي عن ضده مثلين ولا ضدين .

ولو كانا خلافين لجاز وجود أحدهما مع ضد الآخر ، ومع خلاف الآخر ، لأن حكم الخلافين جواز اجتماع كل منهما مع ضد الآخر ومع خلاف الآخر ؛ كالعلم والإرادة ، فإنهما خلافان ، وجاز وجود العلم مع الكراهة التي هي ضد الإرادة والمحبة التي هي خلافها .

[ ص: 56 ] وجاز وجود الإرادة مع الجهل الذي هو ضد العلم ، ومع السخاوة التي هي خلاف العلم .

لكن يستحيل اجتماع الأمر بالشيء مع ضد النهي عن الضد ; لأن الأمر بالضد ضد النهي عن الضد ، ويمتنع اجتماع الأمر بالشيء مع الأمر بضده ، وإلا لزم الأمر بالنقيضين ؛ إن كان الضدان نقيضين ، أو الأمر بالمتنافيين ؛ إن لم يكن الضدان نقيضين .

وهذا تكليف ما لا يطاق .

فلا يكون الأمر بالشيء والنهي عن ضده خلافين .

وإذا بطل الأقسام الثلاثة بطل التالي .

أجاب المصنف بأنه إن أراد القاضي بطلب ترك الضد الذي هو معنى النهي عن الضد - طلب الكف عن الضد ( يختار ) أنهما خلافان .

ويمنع عند ذلك التقدير ما جعل القاضي لازم الخلافين ؛ وهو جواز اجتماع الخلاف مع ضد الخلاف ومع خلاف الخلاف .

وذلك لأنه قد يتلازم الخلافان ، كالعلة ومعلولها المساوي لها فيستحيل جواز اجتماع أحدهما مع ضد الآخر ، وإلا يلزم اجتماع [ ص: 57 ] الضدين ؛ لأن أحدهما لا ينفك عن الآخر . فكلما يصدق أحدهما يصدق الآخر .

وأيضا : قد يكون ضد أحد الخلافين ضد الخلاف الآخر ، كالظن والشك فإنهما خلافان ، وكل منهما ضد للعلم ، فيكون كل منهما ضد الآخر .

وهذا المثال غير صحيح ; لأن الظن والشك ضدان على الوجه الذي فسر به المصنف الضدين .

والمثال الصحيح : هو الضاحك والكاتب ; فإنهما خلافان على الوجه الذي فسر ، وكل منهما ضد للصاهل .

وإن أراد بطلب ترك ضده طلب عين الفعل المأمور به - كان النهي عن الضد عين الأمر بالشيء ، فلا يبقى نزاع في المعنى ، بل رجع التنازع لفظيا في تسمية الفعل بترك الضد ، ثم في تسمية طلب ذلك الفعل نهيا .

قيل : لقائل أن يقول : أراد به المنع من ترك الفعل المأمور به ، وهو جزء الطلب الجازم .

ويمكن أن يجاب بأن مدعى القاضي في هذا المقام أن النهي عن الضد هو عين الأمر بالشيء ، لا جزؤه .

[ ص: 58 ] الوجه الثاني : أن السكون عين ترك الحركة ; فطلب السكون الذي هو الأمر بالسكون هو بعينه طلب ترك الحركة الذي هو النهي عن ضد السكون .

أجاب بما تقدم ؛ وهو أن يكون النزاع حينئذ لفظيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية