صفحة جزء
ص - وقد اختلف في تقدير الدلالة في الاستثناء .

فالأكثر : المراد بـ ( عشرة ) في قولك : " عشرة إلا ثلاثة " سبعة و " إلا " قرينة لذلك ، كالتخصيص بغيره .

وقال القاضي : عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة ، كاسمين مركب ومفرد .

وقيل : المراد بـ ( عشرة ) : عشرة باعتبار الأفراد ، ثم أخرجت ثلاثة .

والإسناد بعد الإخراج ، فلم يسند إلا إلى سبعة .

وهو الصحيح .

لنا : أن الأول غير مستقيم للقطع بأن من قال : اشتريت [ ص: 258 ] الجارية إلا نصفها ، أو نحوه ، لم يرد استثناء نصفها ( من نصفها ) .

ولأنه ( كان ) يتسلسل .

ولأنا نقطع بأن الضمير للجارية بكمالها .

ولإجماع العربية على أنه إخراج بعض من كل .

ولإبطال النصوص .

وللعلم بأنا نسقط الخارج ، فيعلم أن المسند إليه ما بقي .

والثاني كذلك للعلم بأنه خارج عن قانون اللغة ; إذ لا تركيب من ثلاثة ، ولا يعرب الأول وهو غير مضاف .

ولامتناع إعادة الضمير على جزء الاسم في " إلا نصفها " .

ولإجماع العربية إلى آخره .


ش - اختلف في تقدير الدلالة في الاستثناء على ما هو المقصود .

فذهب الأكثر لها أن الاستثناء بين أن مراد المتكلم بالمستثنى [ ص: 259 ] منه ما بقي ، فالمراد بـ ( عشرة ) في قولك : عشرة إلا ثلاثة ، : سبعة ، و " إلا " قرينة مبينة لذلك ، كالتخصيص بغير الاستثناء ; فإن المخصص قرينة مبينة لمراد المتكلم بالعام .

وقال القاضي أبو بكر : المستثنى والمستثنى منه وآلة الاستثناء جميعا موضوع لمعنى واحد ، وهو : ما يفهم آخرا . حتى كأن العرب وضعوا بإزاء معنى السبعة اسمين : مركبا ومفردا . فالمركب هو : عشرة إلا ثلاثة ، والمفرد هو : سبعة .

وقيل : المراد بالمستثنى منه : الجميع ؛ باعتبار الأفراد من غير حكم بالإسناد ، ثم أخرج منه المستثنى ، وحكم بالإسناد بعد إخراج المستثنى من المستثنى منه . فلم يسند إلا إلى ما بقي بعد الإخراج .

( مثلا قولنا : له علي عشرة إلا ثلاثة ؛ يكون المراد بالعشرة من حيث الأفراد : مجموع آحادها ، ثم أخرج منها ثلاث ، وأسند بعد الإخراج ) فعلم أن المسند إليه سبعة .

وهذا المذهب هو الصحيح عند المصنف .

واحتج على عدم استقامة المذهب الأول بستة أوجه :

الأول - أنه لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد [ ص: 260 ] الاستثناء - لزم أن يراد استثناء نصف الجارية من نصفها في مثل قول القائل : اشتريت الجارية إلا نصفها .

والتالي باطل ; لأنا نقطع بأن من قال : اشتريت الجارية إلا نصفها لم يرد استثناء نصفها من نصفها .

بيان الملازمة : أنه لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء لكان المراد بالجارية نصفها في المثال المذكور ، وقد استثنى عنه نصفها ، فيلزم استثناء نصفها من نصفها .

ولقائل أن يقول : الاشتراء وقع على الجارية كلها بحسب الظاهر ، فاستثنى مما وقع عليه الاشتراء بحسب الظاهر لتبين أن المراد بالجارية نصفها ، فلم يلزم منه استثناء النصف من النصف .

الثاني - أنه لو كان مراد المتكلم بالمستثنى منه : ما بقي بعد الاستثناء لزم التسلسل .

والتالي ظاهر الفساد .

بيان الملازمة : أن المراد بالجارية مثلا ، إذا كان نصفها ، وقد أخرج الاستثناء من المستثنى منه نصفه ، فيكون نصف النصف مخرجا بالاستثناء ، فيكون المراد بالنصف الذي هو المستثنى منه - نصف النصف ، لأنه الباقي بحد استثناء النصف عنه ، وقد أخرج [ ص: 261 ] عن المستثنى منه الذي هو نصف النصف ، وهلم جرا ، ويلزم التسلسل .

ولقائل أن يقول : لا يلزم التسلسل ؛ لأن الاستثناء بين أن المراد بالمستثنى منه الذي هو الكل بحسب الظاهر النصف ، فلم يحتج إلى تقدير لأنه قد استثنى النصف عن المستثنى منه بحسب الظاهر .

الثالث : أنه لو كان المراد بالمستثنى منه الباقي بعد الاستثناء يلزم أن يكون الضمير الذي أضيف إليه النصف راجعا إلى النصف ; لأن الضمير راجع إلى المستثنى منه ، وهو النصف حينئذ .

والتالي باطل ; لأن الضمير راجع إلى الجارية بكمالها .

ولقائل أن يقول : لا نسلم رجوع الضمير إلى النصف ; لجواز أن يكون المرجوع إليه هو اللفظ .

كما إذا أطلق لفظ ( شخص ) في ( جاء شخص ) وأريد به امرأة فإنه لا يجب تأنيث الضمير اعتبارا باللفظ المطلق .

ويمكن أن يجاب عنه بأنه لو كان الضمير عائدا إلى اللفظ يلزم أن يكون المراد نصف اللفظ .

الرابع - لو كان المستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء لم يكن الاستثناء في قولنا : اشتريت الجارية إلا نصفها إخراج بعض من كل .

[ ص: 262 ] والتالي باطل ; لإجماع أهل العربية على أنه إخراج بعض من كل .

ولقائل أن يمنع الملازمة ; فإنه يجوز أن يكون مراد المتكلم النصف ، ويكون الاستثناء إخراج النصف من الكل بحسب الظاهر ، ولا منافاة بينهما .

الخامس - لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء يلزم بطلان النصوص .

والتالي ظاهر الفساد .

بيان الملازمة : أن " العشرة " نص في مدلولها ، فلو أريد بها سبعة لزم بطلان النص .

ولقائل أن يقول : النص هو اللفظ الذي لم يحتمل إلا معنى واحدا عند عدم القرينة ، والعشرة إذا لم يعتبر معها قرينة الاستثناء كان كذلك .

السادس - إنا نعلم قطعا أنا نسقط الخارج ؛ أي المستثنى من المستثنى منه ، فيعلم بعد إسقاطه أن المسند إليه ما بقي بعد الاستثناء .

فلو كان المراد بالمستثنى منه : هو الباقي لم يكن الإسقاط موجبا للعلم بكون الباقي مسندا إليه ; لأن إسقاط الخارج متوقف على حصول خارج .

[ ص: 263 ] وعلى تقدير من يرى أن يكون المستثنى منه هو الباقي ، لم يحصل خارج .

ولقائل أن يقول : لا نسلم أنه على تقدير أن يكون المراد بالمستثنى منه الباقي ، لم يحصل خارج ; لجواز أن يكون إسقاط الخارج بحسب ظاهر المستثنى منه ، لا بحسب ما هو مراد المتكلم منه .

واحتج على عدم استقامة المذهب الثاني بوجوه :

الأول - أنا نعلم قطعا أنه خروج عن قانون اللغة ; إذ لم يتركب كلمة واحدة من ثلاث كلمات ( في لغة العرب ، وهذا المذهب يفضي إلى تركيب كلمة واحدة من ثلاث وأكثر .

الثاني - أنه لم يعهد وضع مركب من كلمات ) أولها معرب ، وهو غير مضاف ، وهذا يفضي إلى ذلك .

الثالث - أنه لو كان كذلك لكان الضمير في " إلا نصفها " عائدا إلى جزء الاسم .

والتالي باطل ; لامتناع عود الضمير إلى جزء الاسم .

الرابع - أنه لو كان كذلك لما كان الاستثناء المتصل إخراجا .

وهو خلاف إجماع أهل العربية .

التالي السابق


الخدمات العلمية