صفحة جزء
ص - الشافعية : العطف يصير المتعدد كالمفرد .

وأجيب بأن ذلك في المفردات .

قالوا : لو قال والله لا أكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء الله ، عاد إلى الجميع .

[ ص: 282 ] وأجيب بأنه شرط ، فإن ألحق به فقياس .

وإن سلم فالفرق أن الشرط مقدر تقديمه .

وإن سلم فلقرينة الاتصال ، وهي اليمين على الجميع ، قالوا : لو كرر لكان مستهجنا .

قلنا عند قرينة الاتصال .

وإن سلم فللطول مع إمكان إلا كذا في الجميع . قالوا : صالح . فالبعض تحكم ، كالعام .

قلنا : صلاحيته لا توجب ظهوره فيه ، كالجمع المنكر . قالوا : لو قال : علي خمسة وخمسة إلا ستة - كان للجميع . قلنا مفردات .

وأيضا للاستقامة .


ش - احتجت الشافعية بخمسة وجوه :

الأول - أن العطف يصير الأمور المتعددة كالأمر الواحد . وعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة يوجب عدم الاتحاد بين الجمل المعطوف [ ص: 283 ] بعضها على بعض .

أجاب بأن العطف في المفردات يوجب الاتحاد ، وأما العطف في الجمل فلا يوجب ذلك ، وهذا هو المتنازع فيه .

الثاني - لو قال : والله لا أكلت ولا شربت ولا ضربت ثم قال بعد الجميع : إن شاء الله - يعود إلى الجميع بالاتفاق ، فكذا في غيره من الصور .

أجاب بأن قوله : إن شاء الله شرط لا استثناء ، ولا يلزم من عود الشرط إلى الجميع عود الاستثناء إليه .

وإن ألحق الاستثناء بالشرط لجامع بينهما كان قياسا في اللغة ، وهو غير صحيح .

وإن سلم جواز القياس في اللغة فالفرق بينهما ثابت ; فإن الشرط ، وإن كان متأخرا لفظا ، فهو مقدم تقديرا ، بخلاف الاستثناء ، فحينئذ يجوز عود الشرط إلى الجميع لتقدمه ولا يجوز عود الاستثناء إلى الجميع لتأخره .

ولئن سلم عدم الفرق بينهما فلا ينتهض نقضا ; لأنه ها هنا إنما عاد إلى الجميع بقرينة دالة على اتصال الأخيرة بما قبلها ، وتلك القرينة هي اليمين .

الثالث - أن الجمل المتعاطفة بالواو ، قد يحتاج كل واحد [ ص: 284 ] منها إلى الاستثناء .

فلو لم يكن الاستثناء عائدا إلى الجميع لما كان تكرر الاستثناء مستهجنا .

والتالي باطل ؛ لأنه لو كرر الاستثناء لكان مستهجنا ; لأنه لو قيل : إن سرق زيد فاضربه إلا أن يتوب ; أو شرب فاضربه إلا أن يتوب ، أو زنى فاضربه إلا أن يتوب - لكان مستهجنا عند أهل اللغة .

أجاب بأن تكرر الاستثناء إنما يكون مستهجنا عند وجود قرينة دالة على اتصال الجمل بعضها بالبعض .

أما عند عدم قرينة اتصالها - فلا نسلم أن التكرر مستهجن .

ولو سلم أن تكرر الاستثناء مستهجن مطلقا ، سواء وجد قرينة الاتصال أو لم يوجد ، لكن الاستهجان إنما يكون لطول الكلام مع إمكان رعاية الاختصار ، بأن نقول بعد الجمل : إلا كذا في الجميع .

الرابع - الاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعاطفة بالواو يصلح عوده إلى الكل ، كما يصلح عوده إلى البعض ، والعود إلى البعض تحكم ; لأن العود إلى البعض دون بعض ترجيح بلا مرجح ، كالعام .

[ ص: 285 ] أجاب بأن صلاحية الاستثناء للعود إلى الجميع لا توجب ظهور الاستثناء في العود إلى الكل ، كالجمع المنكر ، فإنه يصلح أن يكون لكل الأفراد ، مع أنه غير ظاهر فيه .

قيل : لقائل أن يقول : ليس الاستدلال بمجرد الصلوح للكل ، بل به وبتعذر الحمل على البعض . فإنه لما صلح للكل والبعض ، وتعذر الحمل على البعض ، تعين الكل صيانة للدليل عن الإلغاء .

والفرق بينه وبين الجمع المنكر ظاهر ; فإنه لا تعذر ثمة .

بل الجواب : منع التحكم عند الحمل على البعض ؛ إذ العود إلى الأخيرة راجح ; لأنه أقرب . والمتقدم وإن كان راجحا بالسبق ، لكن الأقرب أرجح .

الخامس - لو قال قائل : علي خمسة وخمسة إلا ستة ، يعود الاستثناء إلى الكل بالاتفاق ، فكذا في جميع الصور ، دفعا للاشتراك والمجاز .

أجاب أولا بأن هذا غير محل النزاع ; لأن الكلام في الاستثناء الواقع بعد جمل متعاطفة بالواو . وها هنا قد وقع الاستثناء بعد المفردات .

وثانيا - بأنه يعود الاستثناء في هذه الصورة إلى الكل للتعذر ; [ ص: 286 ] فإنه لو حمل على الأخيرة لم يستقم ; لأنه يستلزم الاستغراق ، بخلاف محل النزاع فإنه لم يتعذر العود إلى الأخيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية