صفحة جزء
ص - المثبتون .

قال أبو عبيد في " لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " : يدل على أن لي من ليس بواجد لا يحل عقوبته وعرضه .

وفي " مطل الغني ظلم " مثله .

وقيل له في قوله - عليه السلام - : " خير له من أن يمتلئ شعرا " : المراد : الهجاء ، وهجاء الرسول - عليه السلام - فقال : لو كان كذلك لم يكن لذكر الامتلاء معنى ؛ لأن قليله كذلك ، فألزم من تقدير الصفة ( المفهوم ) .

وقال به الشافعي رحمه الله .

وهما عالمان بلغة العرب .

فالظاهر فهمهما ذلك لغة .

قالوا : بنيا على اجتهادهما .

وأجيب بأن اللغة تثبت بقول الأئمة من أهل اللغة ولا يقدح فيها التجويز .

[ ص: 450 ] وعورض بمذهب الأخفش ، وأجيب بأنه لم يثبت كذلك ، ولو سلم فمن ذكرناه أرجح ، ولو سلم فالمثبت أولى .


ش - المثبتون - أي القائلون بأن تعليق الحكم على إحدى صفتي الذات يدل على نفيه عما عداها لغة - احتجوا بأنه لو لم يدل تعليق الحكم على إحدى صفتي الذات على نفيه عما عداه لغة - لما فهم أهل اللغة ذلك .

والتالي باطل .

أما الملازمة فلأن أهل اللغة لا يفهمون من اللفظ ما لا يدل اللفظ عليه لغة .

وأما بيان انتفاء التالي فلأنه قال أبو عبيد في قوله - عليه [ ص: 451 ] السلام - : " لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " . يدل على أن لي من ليس بواجد لا يحل عقوبته وعرضه .

وكذلك قال أبو عبيد في قوله - عليه السلام - : " مطل الغني ظلم " . مثل ما قال في الخبر المتقدم . ففهم من تعليق [ ص: 452 ] الحكم على إحدى صفتي الذات نفيه عما عداها ، وهو من أئمة اللغة ، واللي : المطل ، والواجد : الغني ، والمراد بإحلال عقوبته : حبسه ، وبإحلال عرضه : مطالبته به .

وقيل لأبي عبيد في قوله - عليه السلام - : ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا " . المراد بالشعر الهجاء . وهجاء الرسول .

فقال أبو عبيد : لو كان المراد من الشعر : الهجاء لم يكن لذكر الامتلاء معنى ; لأن قليل الهجاء كذلك .

فألزم أبو عبيد من تقدير الصفة ، نفي الحكم عما عداها .

وإنما قال : من تقدير الصفة ; لأن ها هنا لم يقيد اسم عام بصفة ظاهرا ، كما في الغنم ، لكن لما قيل لأبي عبيد : المراد من [ ص: 453 ] الشعر : الهجاء قدر الامتلاء صفة للهجاء ، حتى كأنه قيل : الهجاء الذي يمتلئ منه الجوف .

وقال الشافعي بمفهوم الصفة .

وهما - أي الشافعي وأبو عبيد - عالمان بلغة العرب ، فالظاهر أنهما فهما المفهوم لغة ، لا اجتهادا .

النافون للمفهوم قالوا : بنى الشافعي وأبو عبيد المفهوم على اجتهادهما ; لأنهما وإن كانا من أئمة اللغة ، إلا أنهما في درجة الاجتهاد ، فنقلهما قد يكون مستندا إلى الوضع ، وقد يكون مستندا إلى الاجتهاد ، فحينئذ لا يجب قبول نقلهما .

أجاب المصنف بأن اللغة تثبت بقول الأئمة من أهل اللغة ، ولا يقدح في اللغة المثبتة بقولهم ، جواز أن يكون باجتهادهم ; لأن احتمال الاجتهاد مرجوح ، واحتمال الاستناد إلى الوضع راجح ، والمرجوح لا يقدح في الراجح .

وعورض بمذهب الأخفش ؛ فإنه نقل أن مذهب الأخفش أن [ ص: 454 ] تعليق الحكم على إحدى صفتي الذات لا يدل على نفي ما عداها . أجاب المصنف بأن هذا لا يصلح أن يكون معارضا لما ذكرنا ; لأن هذا المذهب لم يثبت عن الأخفش ، كما ثبت خلافه عن الشافعي وأبي عبيد .

ولو سلم ثبوت هذا المذهب عن الأخفش كثبوت مذهبهما لكن من ذكرناه - وهو الشافعي وأبو عبيد - أرجح ؛ لأنهما أفضل .

ولو سلم عدم رجحانهما فالدليل الذي ذكرناه راجح على الدليل الذي ذكرتم ; لأن دليلنا مثبت ، ودليلكم ناف ، والمثبت أولى من النافي .

التالي السابق


الخدمات العلمية