صفحة جزء
[ ص: 489 ] النسخ

ص - النسخ : الإزالة ؛ نسخت الشمس الظل . والنقل ، نسخت الكتاب ، ونسخت النحل .

ومنه المناسخات .

فقيل : مشترك .

وقيل : للأول .

وقيل : للثاني .

وفي الاصطلاح : رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر .

فيخرج المباح بحكم الأصل .

والرفع بالنوم والغفلة .

وبنحو : صل إلى آخر الشهر .

ونعني بالحكم : ما يحصل على المكلف بعد أن لم يكن ، فإن الوجوب المشروط بالعقل لم يكن عند انتفائه قطعا .

[ ص: 490 ] فلا يرد : الحكم قديم فلا يرتفع ؛ لأنا لم نعينه .

والقطع بأنه إذا ثبت تحريم شيء بعد وجوبه انتفى الوجوب ، وهو المعنى الرفع .


ش - لما فرغ من المباحثات المشتركة بين الأدلة الثلاثة شرع فيما يتعلق بالكتاب والسنة فقط . وهو النسخ .

والنسخ في اللغة : الإزالة ; يقال : نسخت الشمس الظل ؛ أي أزالت الظل .

والنقل أيضا ؛ يقال : نسخت الكتاب ، أي نقلته ، ونسخت النحل ، أي نقلته من موضع إلى آخر .

ومنه المناسخات ; لانتقاله من وارث إلى آخر .

ولما وقع استعمال لفظ النسخ في الإزالة والنقل - قيل : إنه مشترك بينهما ؛ لأن الأصل في الاستعمال : الحقيقة .

وقيل : حقيقة للأول مجاز في الثاني .

وقيل : بالعكس .

والأخيران أولى من الأول ; لأن المجاز وإن كان على خلاف الأصل لكنه خير من الاشتراك .

[ ص: 491 ] وفي الاصطلاح : رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر ؛ فقوله : " رفع الحكم " كالجنس يشمل النسخ وغيره .

وقوله : " الشرعي " يخرج رفع المباح الذي ثبت بالأصل ; لأنه ليس بحكم شرعي .

وقوله : " بدليل شرعي " يخرج رفع الحكم الشرعي بالنوم والغفلة ; فإن رفع وجوب الصلاة عن النائم والغافل بالنوم والغفلة .

( قيل : لقائل أن يمنع كون الرفع بالنوم والغفلة ) لا بدليل شرعي ، بل هو بدليل شرعي ، وهو قوله - عليه السلام - : رفع القلم عن ثلاث ) " . فالواجب أن يقال : قوله : " بدليل شرعي " احتراز عن الرفع بالموت .

وهذا ليس بوارد ; إذ لا فرق بين الميت والنائم والغافل في رفع الحكم عنهم ، لأنا علمنا بالعقل أن شرط التكليف : التعقل ، وكما أن الميت لا يعقل التكليف ، فكذلك النائم والغافل لا يعقلان [ ص: 492 ] التكليف .

وقوله - عليه السلام - " رفع القلم عن ثلاث " دليل على أن الرافع هو النوم والنسيان ، لا أن الرافع هو هذا القول .

وقوله : " متأخر " احتراز عن رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي غير متأخر ، مثل الرفع بالمتصل مستقلا ؛ مثل ما إذا قال - عقيب قوله : اقتلوا المشركين : لا تقتلوا أهل الذمة ، أو غير مستقل ؛ كالرفع بالاستثناء ، كما يقول : صوموا هذا الشهر إلا اليوم العاشر منه ، وكالرفع بالغاية ؛ مثل : صل إلى آخر الشهر .

وكالرفع بالشرط مثل : صل إن كنت صحيحا .

واعلم أن الحكم يطلق تارة على الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير تعلقا علميا ، وحينئذ يكون قديما ، ويطلق تارة على الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير تعلقا خارجيا .

والحكم بهذا المعنى يحصل على المكلف بعد أن لم يكن ؛ لأن الحكم بهذا المعنى مشروط بالتعقل ; لأن التعلق الخارجي لا يحصل إلا بعد التعقل ، فيكون حادثا ; لأن الوجوب المشروط بالعقل لم يكن عند انتفاء العقل قطعا .

[ ص: 493 ] وحينئذ لا يرد قولهم : الحكم قديم ، والقديم لا يرفع ، فلا ينعكس التعريف ؛ لصدق المحدود بدون الحد ; لأنا لم نعن بالحكم الحكم القديم الذي لا يرتفع ؛ بل نعن به الحكم الحادث الذي يمكن رفعه ، لأنا نقطع أنه إذا ثبت تحريم شيء بعد وجوبه انتفى وجوبه ، لأنه حينئذ ينتفي التعلق الخارجي الذي هو جزء من مفهوم الوجوب ، وهو المعني بالرفع .

وهذا التعريف غير منعكس ; لأنه دخل فيه البيان بالتخصيص المتأخر عن وقت الخطاب ؛ لأن التخصيص رفع عند المصنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية