صفحة جزء
ص - قالوا : إن كان مقيدا فليس بنسخ .

وإن دل على التأبيد لم يقبل للتناقض بأنه مؤبد ليس بمؤبد .

ولأنه يؤدي إلى تعذر الإخبار بالتأبيد ، وإلى نفي الوثوق بتأبيد حكم ما .

وإلى جواز نسخ شريعتكم .

أجيب بأن تقييد الفعل الواجب بالتأبيد ، لا يمنع النسخ ، كما [ ص: 508 ] لو كان معينا مثل : صم رمضان ، ثم ينسخ قبله ، فهذا أجدر .

وقوله : صم رمضان أبدا بالنص يوجب أن الجميع متعلق بالوجوب . ولا يلزم الاستمرار ، فلا تناقض . كالموت .

وإنما الممتنع أن يخبر بأن الوجوب باق أبدا ، ثم ينسخ .


ش - الشبهة الثالثة - الخطاب الوارد عليه النسخ إما أن يكون مقيدا أي بوقت معين ، وانتهاء الحكم بنفسه لا يكون نسخا .

وإما أن يكون دالا على التأبيد ، فلا يقبل النسخ ؛ لأربعة وجوه : الأول : أنه لو قبل النسخ للزم التناقض ؛ لأن الخطاب المقيد بالتأبيد يدل على أن الحكم مؤبد . والنسخ يدل على أنه غير مؤبد ، ليس بمؤبد ، وهو التناقض .

الثاني - أنه لو قبل النسخ لأدى إلى تعذر الإخبار بالتأبيد ; لأن الإخبار بالتأبيد إنما هو لتعريف المخاطب التأبيد ، ولا طريق للمخاطب إلى معرفة التأبيد ، لجواز طريان النسخ على ما دل على التأبيد .

الثالث - أنه لو قبل النسخ لأدى إلى نفي الوثوق بتأبيد [ ص: 509 ] حكم ما لجواز طريان النسخ عليه .

الرابع - أنه لو قبل النسخ لأدى إلى جواز نسخ شريعتكم ؛ لأن النص الدال على التأبيد لا يمنع النسخ .

أجاب بأن تقييد انفعل الواجب بالتأبيد كقوله : صم رمضان أبدا ، لا يمنع النسخ ; فإنه إذا كان الوقت معينا ، مثل : صم رمضان ، ثم ينسخ قبله - لم يمتنع النسخ .

وإذا كان تعيين الوقت لا يمنع النسخ قبل الوقت فالتأييد أجدر أن لا يمنع النسخ .

وقولهم : صم رمضان أبدا ، يوجب بدلالة النص أن الرمضانات كلها متعلقة الوجوب ، ولا يلزم من ذلك استمرار الوجوب في الرمضانات كلها . فلا يلزم التناقض .

كالموت ، فإن تعلق خطاب الوجوب بالمكلف يدل على أن جميع عمره - ولو كان مائة سنة - متعلق الوجوب ، لا أنه يستمر الوجوب مائة سنة .

والممتنع أن يخبر بأن الوجوب باق أبدا ، ثم ينسخ ، مثل أن يقال : وجوب صوم عاشوراء باق أبدا ، فإنه يمتنع أن ينسخ ، وإلا يلزم الكذب في خبر الله تعالى .

قيل : لقائل أن يقول : لا يمكن الجمع بين استغراق [ ص: 510 ] الرمضانات كلها لتعلق الوجوب وعدم لزوم الاستمرار ، فإنه على تقدير وقوع النسخ وعدم الاستمرار ، يبطل الاستغراق .

وعدم التناقض في تأبيد الحكم على المكلف وعدم تأبيده بالموت لأجل أنه عرف بالقرينة أن المراد بالتأبيد مدة بقاء التكليف .

التالي السابق


الخدمات العلمية