صفحة جزء
ص - واستدل بأن إبراهيم - عليه السلام - أمر بالذبح بدليل : ( افعل ما تؤمر ) وبالإقدام ، وبترويع الولد ، ونسخ قبل التمكن .

واعترض بجواز أن يكون موسعا .

وأجيب بأن ذلك لا يمنع رفع تعلق الوجوب بالمستقبل ; لأن الأمر باق عليه ، وهو المانع عندهم .

وبأنه لو كان موسعا لقضت العادة بتأخيره ، رجاء نسخه أو موته لعظمه .

وأما دفعهم بمثل : لم يؤمر ، وإنما توهم ، أو أمر بمقدمات الذبح - فليس بشيء .

أو ذبح وكان يلتحم عقيبة ، أو جعل صفيحة نحاس ، أو حديد - فلا يسمع ، ويكون نسخا قبل التمكن .


ش - واستدل على جواز النسخ قبل الوقت بقصة إبراهيم .

[ ص: 515 ] فإنه - عليه السلام - أمر بذبح ولده إسماعيل ونسخ عنه قبل التمكن من الذبح ، أي قبل وقت الفعل .

أما الأول فبدليل قوله تعالى - حكاية عن إسماعيل - ( افعل ما تؤمر ) وهو الذبح ، لأنه قال إبراهيم : ( إني أرى في المنام أني أذبحك ) .

وبدليل إقدام إبراهيم على الذبح .

وبدليل ترويعه إسماعيل ، أي تخويفه .

فلو لم يكن الذبح مأمورا به لم يقدم عليه ، ولم يخوف ولده .

وأما أنه نسخ فلقوله تعالى : ( وفديناه بذبح عظيم ) وأما أنه نسخ قبل التمكن ، أي قبل وقته ، فلأنه لو تمكن من الذبح لكان عاصيا بتأخيره .

واعترض على هذا بأنه يجوز أن يكون وجوب الذبح موسعا ، ونسخ بعد مضي وقت يسع الذبح فيه ، فحينئذ لا يكون النسخ قبل وقت الفعل .

أجاب عنه بوجهين :

الأول - أن ذلك ، أي الوقت الموسع لا يمنع رفع تعلق [ ص: 516 ] الوجوب بالمستقبل ، أي لا يمنع رفع تعلق الوجوب قبل وقت الفعل ; لأن وجوب الفعل باق على المكلف إذا لم يأت بالفعل في أول الوقت الموسع ، وبقاء الوجوب على المكلف هو المانع عند الخصوم عن النسخ .

فيمتنع النسخ في باقي الوقت الموسع .

ويمتنع أيضا بعد انقضاء الوقت الموسع ؛ لانقطاع التكليف بنفسه .

ويمتنع أيضا في أول الوقت الموسع لتحقق الوجوب فيه .

فتعين أن يكون النسخ قبل الوقت الموسع .

الثاني - أنه لو كان وجوب الذبح موسعا لأخره ؛ لأن العادة تقضي بتأخير مثل هذا الفعل رجاء لنسخه أو موت أحدهما ، لعظم مثل هذا الأمر .

وقد دفع جماعة من الأصوليين هذا الاستدلال بأن إبراهيم لم يؤمر بالذبح ، وإنما توهم الأمر به .

أو أمر بمقدمات الذبح لا بنفسه .

أجاب المصنف بأن هذا الدفع ليس بشيء ; لأنه لو لم يؤمر بالذبح لما احتاج إلى الفداء .

[ ص: 517 ] ودفعوا أيضا بأنه يجوز أنه ذبح والتحم عقيبة ، أي صار صحيحا ؛ يقال : التحم الجرح للبرء .

وبأنه يجوز أنه جعل الله تعالى على حلقه صفيحة نحاس أو حديد ، فيمتنع الذبح ، لا أنه نسخ .

أجاب بأنه لا يسمع هذا الدفع .

أما الأول - فلأنه لو ذبح والتحم لم يحتج إلى الفداء .

وأما الثاني - فلأنه حينئذ يكون الأمر بالذبح تكليفا بما لا يطاق ، وهو محال عند المعتزلة .

ومع هذا يلزم أن يكون نسخا قبل التمكن ; لأنه لم يتمكن من الذبح عند وجود الصفيحة .

والصفيحة : السيف العريض ، ووجه كل شيء عريض .

التالي السابق


الخدمات العلمية